بعد أن أدلى الأنصار بوجهات نظرهم هذه أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يتكلم وكان قد أعد كلمة في نفسه لإلقائها في هذا الاجتماع لولا أن أبا بكر سبقه بالكلام، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم بدأ بذكر ما للأنصار من فضل ولم يترك شيئا أنزل فيهم، أو ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عرفه المسلمون إلا ذكره اعترافا بفضل الأنصار، ولكنه لم يكن يرى أن ذلك يفيد أن يكون الخليفة منهم، لوجود نص صريح قاطع من الرسول صلى الله عليه وسلم يحدد المستوى الذي يجب أن يختار منه الخليفة وهو قريش.
وكان مما قاله رضي الله عنه: أما بعد فما ذكرتم من خير فأنتم أهله وما تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبا ودارا. وقال أيضا: لقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار واديا لسلكت وادي الأنصار.."
ثم وجه الكلام إلى سعد بن عبادة رضي الله عنه يذكره بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقطع كل شبهة في هذا الشأن فقال: ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد: "قريش ولاة الأمر فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم"[٣] .
وبناء على هذا فالمستوى الذي يجب أن ينتخب الخليفة منه هو المهاجرون لأنهم من قريش، ولكن هذا لا يعني إغفال دور الأنصار ومكانتهم، بل أن دورهم دور أساسي، فهم مساعدوا الخليفة وأعوانه ووزراؤه، وهم بطانته الخيرة.