ولما كان المهاجرون والأنصار - رضي الله تعالى عنهم - يتوخون امتثال أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في تحديد المستوى الذي يكون منه الخليفة، ولما كان الإخلاص لله تعالى والتجرد من كل شيء سوى ذلك هو الذي يسيطر عليهم ويحركهم، سرعان ما سلموا بما ذكره الصديق رضي الله عنه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبر سعد بن عبادة رضي الله عنه عن قناعة الأنصار بقوله:"صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء".
ولما فرغ أبو بكر رضي الله عنه من خطابه، وظهرت القناعة على الجميع بما أدلى به من وجهة النظر الصحيحة، وهو أن يكون الخليفة من المهاجرين، وكان أفراد هذا المستوى الجديرين بهذا المنصب الكبير متوفرا، لا سيما من السابقين منهم، وكان الأمر يقتضي البت السريع، وعدم التأجيل، وكان في جانب أبي بكر عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح - رضي الله تعالى عنهما -، أخذ أبو بكر بأيديهم ورشحهما للانتخاب وقال: لقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أيهما شئتم [٤] .
فكره عمر ذلك، كره أن يرشح وأن يقدم على أبا بكر، وقد قال عمر معبرا عن كراهته لأن يتقدم على أبي بكر: فلم أكره مما قال أي أبي بكر غيرها والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلا أثم، أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر إلا أن تغير نفس عندي الموت. ولذلك خاطب الأنصار قائلا: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟.فقال الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر [٥] .
وقال: يا معشر المسلمين، إن أولى الناس بأمر نبي الله، ثاني اثنين إذ هما في الغار، وأبو بكر السباق المسن، وقد رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لدينكم أفلا ترضونه لدنياكم.