ولابد لنا من الإشارة هنا إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كان هو المعلم الأول فقد كان لحكمة أرادها الله أميان لا يقرأ ولا يكتب، ولو سمح له بذلك لكان من أعظم من قرأ وكتب، ولكنه وقف عند الحد الذي أراده الله له، فظل أميا، لا يقرأ إلا بالمفهوم الذي نزلت به أول آيات الوحي، فإذا كانت القراءة في معناها اللغوي تعني الجمع بين الحروف وتأليفها في كلمات، وتأليف الكلمات في جمل تنطق بواسطة أدوات النطق من مكتوب فإن القراءة كما وردت في هذه الآيات الأولى كانت تعني أكثر من ذلك، وهو ما سبق أن أوردنا من أنه هو المعنى بقول الملك: للرسول صلى الله عليه وسلم في غار حراء "اقرأ" ولذلك نجده يجيبه في المرة الثالثة بعد وعي ما أراده الملك "ماذا أقرأ؟ "وكان حينما أمره في المرتين السابقتين يجيب "ما أنا بقارئ" وحتى تتأكد أميته للعالم قبل البعثة فلما قال محمد صلى الله عليه وسلم تحت وطأة ما قام به الملك من غطة "ماذا أقرأ "في بعض الروايات، دل ذلك على أن النبي ربما يكون قد أدرك ما يعنيه الملك من القراءة، التي يفسرها ما ورد من أنه حينما ينزل عليه الوحي كان يحرك لسانه به ليحفظه فنبهه الله إلى عدم الحاجة إلى هذا التحريك فقال تعالى:{لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} .
وهذا الجزء الأخير من الآية فيه رد على من ادعى أن الحديث بلفظه ومعناه من عند محمد وهو قوله:{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} لأن الحديث هو تفسير ما جاء به القرآن ن فلفظ الحديث من عند محمد صلى الله عليه وسلم ومعناه وحي، أما القرآن الكريم فهو وحي بلفظه ومعناه. .