ومع هذا فالإعجاز في أن يتلقى محمد صلى الله عليه وسلم الوحي وهو على هذه الصورة من العنف ويتشوق إليه فقد كان يتمثل في الجهد الشديد الذي عبرت عنه عائشة رضي الله عنها فقالت:"ثم سري عن رسول الله، فجلس وإنه ليتحدر منه مثل الجمان في يوم شات، فجعل يمسح العرق عن جبينه".
وقد اتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم كتبة للوحي ممن عرفوا بالقدرة على ذلك من الصحابة، وكانوا عددا محدودا في مكة، ولكنهم زادوا زيادة كبيرة عندما وجه الرسول عنايته بذلك حينما استقر في المدينة فكانت بداية ذلك أنه جعل فداء غير القادر من أسرى بدر من المشركين ويعرف الكتابة أن يعلم عشرة من أبناء المسلمين. . حتى أنهم ليكتبون الحديث عن الوحي من القرآن فينهاهم عن ذلك ويقول:"ومن كتب عني شيئا من ذلك فليمحه"أي من السنة خاصة "ولكن حدثوا عني".
وإذا كان القرآن الكريم هو معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم العظمى فإنه إذا كان قد أعجز في نمط تركيبه وتأليفه وبيانه وجرسه ومعانيه العرب وهم من هم في بلاغة اللغة. فإنه جمع العرب على لهجة قريش وهي اللهجة الأم، وليس هناك مجال لما أثاره مرجليوث وأضرابه وممن لف لفهم مثل الدكتور طه حسين في كتابه "في الشعر الجاهلي"[٦] .
فقد كانت مكة هي أم القرى ذات الطابع الديني والثقافي الأمثل ولابد وأن شعر الجاهليين كتب بلهجة قريش وحتى يثبت إعجاز القرآن بتحدي العرب. . وما زال القرآن قائما - بحفظ الله - للتحدي في مجالات كثيرة غير الإعجاز البلاغي واللغوي والعلمي ولعل أعظم ذلك جميعه ما أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من أن جدته لا تبلى على كثرة الرد، فهو ربيع دائم.
هذا ولقد سألت العقاد يوما في ندوته: ما أثر الإمام ابن تيمية في الفكر الإسلامي؟ قال: أعظم الأثر. قلت: وما دلالة ذلك؟ قال: إنه أوجد منطقا قرآنيا [٧] .