فقد أدرك هذا الإمام الكبير مدى ما جناه منطق أرسطو على العلوم العربية وعلوم العقيدة والشريعة فأفسد أسلوبها وأساء مناهجها وقضاياها.
وقد بلغ التحدي من القرآن مداه للعرب حيث قال الله تعالى:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} .
ولم يجد العرب بعد أن أعيتهم الحيل وبعد تأمل وتفكير وإمعان وتدبير إلا أن يوهموا الناس أنه سحر، وأن محمدا ساحر، وهو اتجاه له دلالته، إذ هي كلمة حق أريد بها باطل، ولذلك نجد القرآن الكريم إزاء هذه الشبهة التي حاكها الوليد بن المغيرة يهدد هذا المشرك تهديدا شديدا ويصمه بالعار قال تعالى من سورة المدثر:{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُودا وَبَنِينَ شُهُوداً وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كلا كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لآياتنَا عَنِيداً سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} ومن سورة القلم قوله تعالى: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيم} .
ونتساءل: لماذا وقف القرآن هذا الموقف من الوليد بن المغيرة؟ والجواب: لأنه أوجد بهذا العناد شبهة، وقد كان أقرب إلى الإيمان حينما لمس هذا النمط الفريد من الترتيل، ولكنه نأى بنفسه بسبب عناده وجهله بعيدا عن النور، وليهيم مع مشركي مكة في دياجير الظلمات حتى يتخطفه الموت.
ووقع تدبيرهم هذا بعد هذه المرحلة في غباء الحقد الأعمى فإذا بهم يتفقون على أن يحذروا كل قادم من سحر محمد فتكون النتيجة على عكس المطلوب ولعل خير دليل نسوقه في هذا المجال قصة إسلام عمر وابن الطفيل.