فقد جاء في التوراة ما نصه [٦] : "وكلم الرب موسى قائلا: إذا انفرز رجل وامرأة لينذر نذر النذير لينتذر للرب، فعن الخمر والمسكر يفترز، ولا يشرب خل الخمر ولا خل المسكر، ولا يشرب من نقيع العنب، ولا يأكل عنبا رطبا ولا يابسا، كل أيام نذره لا يأكل من كل ما يعمل منه جفنة الخمر من العجم حتى القشر".
وكان الكهنة يمتنعون عن الخمر قبل قيامهم بالفرائض سواء بسواء بأمر من التوراة التي جاء فيها ما نصه [٧] : "وكلم الرب هارون قائلا: خمرا ومسكرا لا تشرب أنت وبنوك معك عند دخولكم إلى خيمة الاجتماع"
والنبط - أيضا - تجنبوا الخمر. ووصفوا أحد آلهتهم في نقوشهم بأنه "الإله الخير الذي لا يقرب الخمر"[٨]
كما أن تحريم الخمر يدخل في القاعدة التي قال بها كثير من قساوسة النصارى.
وكل ذلك له أصوله في ماضي الساميين السحيق الذي جعل للخمر والأشربة صفة من صفات الشياطين.
وقد تميز عصرنا الحاضر بالمعالجة الموضوعية، والمكافحة العلمية لجرثومية الخمر والمسكرات، نظرا لقوة ما وصلت إليه الخمر من شراسة في الانتشار وإبداع في الصنع، وتفنن في الدعاية، حتى استحكمت في النفوس، وتغلبت على الطباع، وتسلطت على الموارد.
فضعفت معها الرجولة، وتراخت أمامها الإرادة، وهانت في سبيلها الكرامة، وانعكس ذلك على الحياء العام في الشارع والبيت، وأثر على الإنتاج في المعمل والمؤسسة، وسطا على الأسرار والخطط في السياسة والحرب، وفي ذلك يقول فريد وجدي [٩] : "ولو عمل إحصاء عمن في مستشفيات العالم من المصابين بالجنون والأمراض العضالة بسبب الخمر، وعمن انتحر وقتل غيره بسبب الخمر وعمن يشكو في العالم من آلام عصبية ومعدية بسبب الخمر وعمن أورد نفسه موارد الإفلاس بسبب الخمر وعمن يجرد عن أملاكه بيعا أو غشا بواسطة الخمر. لبلغت حدا مريعا نجد كل نصح بإزائه صغيرا.
فما هي إلا بلية تقع على رأس من قضى الله بها عليه من عباده.