وإذا كان النصح لا يجدي أو هو لم يعد يجدي كما يقول فريد وجدي، فما هي الإجراءات التي يجب أن تفرض لغرض الحد من هذا الطوفان الجنوني الخطير؟
للجواب على هذا السؤال تبرز الحاجة إلى نموذج ناجح في التجربة، عملي في التطبيق، فعال في الأثر.
وهذا الأنموذج المطلوب - في نظر كثير من المنصفين - هو الأسلوب الإسلامي الذي لأفلح على مدى أربعة عشر قرنا من الزمان أن يجعل هذه الجرثومة تتوارى فلا تظهر في الطريق وتختفي فلا تشيع في المجتمع، وتتأخر فلا تتقدم في صناعة أو صيانة.
ونود التنبيه هنا إلى التصور الإسلامي لأهداف الحرب المعلنة ضد الخمرة لكي نكون واقعيين وموضوعيين بلا خيال أو مغالاة.
ولا أظن أحدا من الناس يتصور أن الإسلام - يحارب الخمرة والمسكرات - قادر على القضاء عليها قضاء تاما بحيث تختفي كما تختفي الحشرة الخبيثة بعد المكافحة المدروسة بمسحوق أو محلول يقطع دابرها، ويستأصل شأفتها، لا: ليس هذا هو الهدف.
وذلك: لأنه ما دام في الإنسان ميل طبيعي إلى اللذة، وما بقي في الفرد نزوع إنساني إلى المتعة، وما استمر البشر مدارا لمختلف العواطف والخلجات، فسوف يبقى هناك نفر يشربون الخمر.
وما دام في الأرض نخيل تحمل التمر وحقول تغل الشعير، ودوالي تفرز العنب، فسوف تبقى الدنان بالخمرة مملوءة، ولا يمكن القضاء عليها إلا بالقضاء على ذلك كله وهو أمر مستحيل. فهدف الإسلام إذن هو: أن يقضي على الوجود الشرعي للخمر ليطاردها القانون ويعمق الشعور بقبحها لتعافها النفوس، ويربي الضمير الفاضل لتتعارض مع المروءة، ويشدد العقوبة عليها لتختفي عن الأنظار.
وإذا اختفت الخمرة عن الأنظار شحت وتدنت، حتى إذا طلبها الراغب شق عليه منالها، وإذا عرضها التاجر هرب منه طالبها، وإذا تيسرت ظل الراغب والتاجر في خوف دائم وذعر مستديم من العقاب المهين.