لأن كل ما هو مطلوب في هذا الصدد هو: أن ترتبط التشريعات ومشاريع السيطرة على هذه المسألة بمفهوم العقيدة الدينية، وضبط الرغبة وعدم الإخلال بضوابط الفكر الديني ليكون للفرد رؤيته الواضحة، وحدوده المرسومة، واستجابته الذاتية.
لماذا الدين وليس التشريعات الوضعية:
جرى التطبيق العملي على حقيقة لا يمكن إنكارها، وليس في الوسع التغاضي عنها، وليس فيها ما يحتمل العناد والمكابرة، وهي:
أن الإنسان في أغلب أحواله لا يستسيغ امتثال القانون إلا إذا خشي طائلته، ويقبل على امتثال أحكام الدين من غير حاجة إلى رقيب، والإنسان عندما يمتثل أحكام القانون لا يحس بذلك الإحساس الروحاني الممتع الذي يحسه وهو امتثال لتعاليم الدين التي تضفي على نفسه الرضا، وتسبغ على روحه الطمأنينة، وتلبس تصرفاته بلباس الاحترام والقدسية.
ومن هنا نجد الملايين من الناس لا يشربون الخمر امتثالا لدوافع الدين في نفوسهم، وآلافا من الناس يشربونها مع علمهم بأن التشريع الوضعي يحرمها.
ففي العراق مثلا، أو مصر، يمتنع الناس عن الخمر مع أن القانون لا يعاقب شاربها. وفي الكويت أو الهند، أو أمريكا - في سني تحريم الخمر فيها - يقبل بعض الناس على الخمر سرا مع وقوعهم بذلك تحت طائلة القانون.
فما هي حقيقة النفسية التي تقف خاف هذه الظاهرة المتناقضة؟
الجواب عن هذا التساؤل يكمن في سير طبيعة الإنسان في عالمه الداخلي كله، وبجولة النظر في مداخل نفسه، ومطويات تفكيره، وخلفيات تصرفاته عامة.
لن في أعماق الإنسان عوالم شتى أشد سعة من العالم الذي يشاهده بعينيه، وليس لهذا العالم وجود بالنسبة الإنسان ما لم يكن له وجوده الباطن في علمه أو قرارة نفسه، وإلا فهو والمجهول عنده سواء.