ومن الحقائق التي باتت مسلمة اليوم في علم النفس: أن الأعماق الخفية في الإنسان هي التي تفسر لنا أعمالنا الظاهرة حين تحتاج إلى تفسير شديد الوضوح ولا تجد تفسيرها الصحيح في الظواهر المحسوسة.
وآخر ما ثبت من تجارب "السلوكيين"الذين يفسرون السلوك النفساني بحركات الأعصاب وخوائج الدماغ وعوارض الوظائف الجسدية على التعميم: أن الوظائف الجسدية كلها مرتبطة بالإرادة، وأن الإرادة مرتبطة بوعي الدماغ ما بطن منها وما ظهر، على ما أثبتته مدرسة بافلوف"فيلسوف السلوكيين الكبير.
وهناك من علماء النفس من يوغل في القدم باحثا عن تفسير للتصرفات الإنسانية الظاهرة فيستعين على إرجاع هذه التصرفات إلى أصولها ن إلى تجارب البشر وحوادث التاريخ عبر الزمان.
ويقتصد بعضهم فينقب عن ذلك في موروثات الإنسان في أسرته وأصوله من قبل ميلاده، بينما يقتصر غيرهم على البحث عن ذلك في طفولة الإنسان وما اعتورها من أحداث، وما اعترضها من انعطافات والتواءات.
وإذا كان علماء النفس مولعين بنسبة كل تصرف إنساني لا يعجبهم إلى عقدة نفسية، فإنهم حتى الآن لم يفلحوا في أن يقدموا لنا الإنسان المثالي حسب تصورهم، ولا أظن بأنهم سيفلحون في ذلك لا لشيء إلا لأن كل وصف مثالي يضعونه لا يمكن أن يكون جامعا ولا مانعا ومن هنا فلا استقرار لقواعدهم، ولا برهان على ما يقررون.
غير أن أصح المذاهب النفسية في هذا الباب هو مذهب "يونج"عن النماذج البشرية، وهو يرى: أن الإنسان المثالي ليس نموذجا واحدا، وإنما هو نماذج متعددة، وذلك لاختلاف العامل الطبيعية التي يتبعها أن يكون لكل طبيعة نموذج مثالي. وعلى هذا فليس هناك نموذج بشري واحد يقاس إليه العمل الصحيح.