للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسواء كان الصواب إلى جانب هؤلاء أو إلى جانب أولئك، أو إلى جانبهما معا، فإنهم متفقون على أن ما عدا النموذج أو النماذج المثالية، فإن الإنسان فريسة عقدة نفسية هي التي تتحكم في سلوكه، وتحدد تصرفاته، وتفرض عليه المقدار المطلوب من السلبيات ن ومهمة الباحث أن يتعرف على تلك العقدة ليقوم بمحاولة حلها.

ومن العقد النفسية ما يقتضي لحلها تطور في المدنية والحضارة، أو تبدل في الأعراف والقيم، أ, سيطرة الحقائق الدينية والعلمية.

فالنوع البشري كله قد انحدر منذ آلاف السنين قبل عصور الشرائع وعصور المدنية والحضارة، وقد استقرت في أعماقه الباطنة باقات من المخاوف التي لا يضبطها عد أو حصر، وحزم من أنواع الرعب تتنافر أسبابها، وتختلف آثارها ونتائجها، لا يسبر لها غور، ولا تؤمن لها نكسة.

فقد عانى الإنسان القديم كثيرا من وطأة الخوف المستحكم من الوحوش الضارية، والسباع العادية، والمخاوف الشديدة من أشباح الظلام وشياطين المكر والغيلة وسطوة الجن ونمورهم، وذلك إلى جانب مخاوفه من البرق والرعد، ومن الأعاصير والسيول ومن السحر والخديعة.

وعانى الإنسان أيضا من مخاوف حقيقية لا تستند إلى الأوهام والخرافات. مثل مخاوفه من الحر والبرد، ومخاوفه من الجوع والعري، ومخاوفه من الأوبئة الفتاكة والأمراض المبيدة، ومخاوفه من أبناء جنسه من أعداء أو غرباء، وملاك، ومالكين.

ويستمر الزمن في دوارنه، وتتعاقب الأزمنة عصورا ودهورا وقرونا ويتوارث الجنس البشري هذه المخاوف حتى يصبح الخوف سمة تميز الفرد، وعبئا يثقل نفسه، وقيدا يشل عقله.

ثم تأتي الحضارة وهي تحمل إلى الناس قوانينها وآدابها فتنال ما هو ظاهر مكشوف من هذه المخاوف فتعالجه، ألا أنها تقصر دون ما هو مستقر في قرارة النفس من فزع مجهول، وحذر كامن، ووهم دخيل.