للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهكذا يبقى الجنس البشري موزعا بين عاملين: عامل الظاهر الذي يدركه عمل الحضارة، وعامل الباطن الذي هو سليل الشعور الموغل في القدم من وراء الحضارات والشرائع والقوانين.

والعامل الباطني هو أخطر ما في حياة الإنسان، لأنه يترجم إلى فزع في الظلام المطبق لا يدرى له سبب ن وخوف من المجهول لا يعرف له مبرر، وحذر من كل جديد أو وافد لا يعثر له على تفسير.

يقول الأستاذ العقاد في هذا المعنى [١٥] : "إن العقيدة النفسية الكبرى في أعماق النوع البشري قد تتلخص في كلمتين وهما: المخاوف المجهولة.

وإن الشفاء من تلك العقدة يتلخص في كلمتين أخريين، وهما: الثقة البصيرة. . والثقة البصيرة في كلمة واحدة، وهي: "الإيمان" لأنه أمان وائتمان. أو نعيد القول بعبارة أخرى فنقول: إن الإيمان هو: الدين القويم.

وقد يقول قائل: لماذا لا يكون الأمان من تلك المخاوف الكامنة في أعماق النفوس البشرية منوطا بالسلطة المتمثلة في رئيس القبيلة، أو قوة العشيرة، أو سلطان الحكام والأولياء عل الجماعات والشعوب ممثلا في القوانين والتشريعات؟

والجواب المقنع على هذا التساؤل يتلخص في أن السلطان الإنساني - في أغلب الأحيان - يبدو وكأنه كبت فوق كبت، وخوف على خوف، وتخويف يعقب تخويفا من نوع آخر. وبهذا يكون مدعاة إلى التمرد عليه كلما خلا الإنسان إلى هواه، وأمن الرقابة، وابتعد عن الحساب.

ومن هنا تبرز الحاجة إلى مصدر للأمان الذي يتبعه الإيمان من سلطة فوق سلطة البشر، يدين بها الخاضع لها لأنه مطمئن إليها، وواثق بها وقريب منها وهي مشاعر وأحاسيس تسبق الخوف من العقاب.