ولقد تبينا من تاريخ النوع البشري أن تربية ما لم يفلح في أن تحقق للإنسان هذا النوع من الوضع المناسب عدا تربية الدين، تلك التربية التي تترقى به كلما ترقت في طريق الثقة البصيرة وتحدد له موقعه المرغوب كلما وصلت إليه بالأسلوب النقي العالي الذي يمزج بين الروح والجسد.
من هذه الوجهة يرتبط إصلاح النفس بالدين على المستوى الفردي والمستوى الجماعي، ولاسيما الدين الذي تهيأت له النفوس بعد التقدم في معارج الحضارة. فإن هذا الدين يلتقي بالنوع الإنساني في إبان حاجته إليه، واستعداده لتلقيه، ويلتقي به الفرد طلبا لعلاج دائه الأكبر: داء المخاوف المبهمة، بدواء الثقة واليقين البصير.
فقد ثبت - من الوجهة العلمية - أن العقيدة هي التي تعصم الإنسان من العلة التي ترجع إليها جميع الأمراض النفسية، وهي علة الانقسام الداخلي التي توزع بين النفس النقائض والأضداد وتفقدها الوسيلة التي توحد بها مسلكها، وتعيد بها الوئام والألفة بين مقاصدها ونزعاتها.
يقول الأستاذ العقاد أيضا [١٦] : "ليس أخطر على الإنسان الفرد من توزيع الفكر والنية بين النقائض المختلفة، ومن هذا التوزيع الأليم ينساق الفكر إلى بلباله المريض، ويقع في الداء المعروف بداء الفصام، أو انقسام الشخصية.
ويقترن بهذا الخطر - وقد يكون من أسبابه - داء الحيرة بين حياة الروح وحياة الجسد، وبين تغليب حياة الروح بالجور على المتعة الحسية، وتغليب حياة الجسد بالاسترسال مع الشهوات، والإقبال على الذات الحيوانية دون غيرها، ويتحقق الخطر على الطبع السليم عند الوقوف في مفترق الطريق بين المتدابرتين كأنهما عدوان متقاتلان، ينتصر أحدهما بمقدار ما يصيب الآخر من الخذلان والهزيمة"
"وفي الإسلام عصمة من كل داء من أدواء هذا الفصام الذي يمزق طوية الفرد، أو يمزق صورة الوجود كله بين خصومات الفكر وخصومات العقيدة، وخصومات المثل العليا في كل قبلة تتجه إليها.