أول اتجاه من اتجاهات الإسلام في طريق تحريم الخمر كان مخاطبة للعقل خطابا يستهدف إقناع المخاطب إقناعا عقليا بسلبيتها وعزلها. فجاء النص على هذا الشكل:{يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}[٢٤] ومن هذه الإشارة إلى أن الخمر والميسر شر على الرغم مما فيهما من بعض المنافع القليلة طفق المسلمون يبحثون في الجوانب السيئة التي ينفضها هذا الداء على عقل الفرد وجسمه وما له إمعانا في الوصول إلى أقوى نقطة من نقاط الاقتناع.
فذهب المفسرون والحكماء والكتاب والأطباء إلى تقصي ذلك حتى وصلوا إلى الحقيقة التي لا حقيقة بعدها في أن الخمر ضرر يجب تحاشيه، وسوء ينبغي الابتعاد عنه، ومرض يلزم التخلص منه، وهي إثم كبير لا يليق بذي المروءة أن يتدنى إلى مستواه.
فقال المفسرون مثل ما يلي: قال الفخر الرازي في تفسيره [٢٥] : "الإثم الكبير فيه أمور: أحدها: أن عقل الإنسان أشرف صفاته، والخمر عدو العقل، وكل ما كان عدو الأشرف فهو أخس، فيلزم أن يكون شرب الخمر أخس الأمور.
وتقريره: أن العقل إنما سمي عقلا لأنه يجري مجرى عقال الناقة، فإن الإنسان إذا دعاه طبعه إلى فعل قبيح، كان عقله مانعا من الإقدام عليه، فإذا شرب الخمر بقي الطبع الداعي إلى فعل القبائح خاليا عن العقل المانع منها، والتقريب بعد ذلك معلوم.
ذكر ابن أبي الدنيا أنه مر على سكران وهو يبول في يده ويمسح به وجهه كهيئة المتوضئ، ويقول: الحمد لله الذي جعل الإسلام نورا والماء طهورا.
ثانيها: ما ذكره الله - تعالى - من إيقاع العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة [٢٦] .