ثالثها: أن هذه المعصية من خواصها: أن الإنسان كلما كان اشتغاله بها أكثر ومواظبته عليها أتم: كان الميل إليها أكثر. وقوة النفس عليها أقوى بخلاف المعاصي، مثل الزاني إذا فعل مرة واحدة فترت رغبته في ذلك العمل، وكلما كان فعله لذلك العمل أكثر كان فتوره أكثر ونفرته أتم، بخلاف الشرب، فإنه كلما كان إقدامه عليه أكثر كان نشاطه أكثر ورغبته فيه أتم، فإذا واظب الإنسان عليه صار غرقا في اللذات البدنية. .
وبالجملة: فالخمر يزيل العقل، وإذا زال العقل حصلت القبائح بأسرها ولذلك قال عليه الصلاة والسلام:"الخمر أم الخبائث" أه
وقال الحكماء مثل ما قال ابن الوردي في لاميته الشهيرة:
واترك الخمرة أن كنت فتى
كيف يسعى في جنون من عقل
وعن العباس بن مرداس أنه قيل له: لم لا تشرب الخمر، فإنها تزيد في جراءتك. فقال: ما أنا بآخذ جهلي بيدي فأدخله جوفي، ولا أرضى أن أصبح سيد قوم وأمس سفيههم.
وقال الكتاب مثل ما قال العقاد [٢٧] : "حين يكون العمل بالعقل أمرا من أوامر الخالق: يمتنع على المخلوق أن يعطل عقله"والإسلام لا يقبل من المسلم لأن يلغي عقله ليجري على سنة آباءه وأجداده".
"وما من أحد يهتدي بعقله لا يسعه أن يرى الصواب وأن يكف عن الخطأ فإذا قسر على نبذ الصواب واقتراف الخطأ ففي وسعه أن ينجو بنفسه من القسر حيث كان، وفي وسعه إذا حيل بينه وبين النجاة أن يلقى الضرر الذي يجنيه عليه من يهدد كرامته ويقتل ضميره. فذلك لا ريب أهون الضررين في هذه الحال.
ولا معنى للدين ولا للخلق إذا جاز للناس لأن يخشوا ضررا يصيب أجسامهم، ولا يخشوا ضررا يصيبهم في أرواحهم وضمائرهم، وينزل بحياتهم الباقية إلى ما دون الحياة التي ليس لها بقاء، وليس فيها شرف ولا مروءة.
"إن حق العقل في الإسلام يقاس بكل قوة من قوى تلك الموانع التي ترصد له ويصده عن طريقه"أه.