لم يغب عن علم الله سبحانه وتعالى مدى تعلق الناس بالخمر ومدى شيوعها في مجتمعاتهم، فأراد لأن يشرع لهم خطوة عملية على طريق إنهاء الخمر والانتهاء منها، فجاء النص على تحريمها تحريما مؤقتا في أثناء الصلاة، فجاء النص على هذا الشكل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}[٢٩] وهكذا خطا القرآن في مكافحة الخمرة خطوة هجومية فعلية فكان تشريع تحريمها وقت الصلاة بعد أن تهيأت أذهان المسلمين لهذه الخطوة من خلال المرحلة الأولى التي ألمعنا إليها.
ثم يتوسع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إظهار هذا التشريع الجديد بالشكل الذي يهيء أذهان المسلمين للمرحلة الثالثة وهي مرحلة التحريم المطلق. ففي حديث أبي الدرداء قال [٣٠] : "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم: "لا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر"، وعن خباب بن الأرت قال [٣١] : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياك والخمرة فإن خطيئتها تفرع الخطايا، كما أن شجرتها تفرع الشجر".
ففهم المسلمون: أن الخمر إن حرمت وقت الصلاة فقط، فإن ذلك لا يعني أنها كريمة المذاق في غير وقتها لأن النهي قد صدر من رسول الله الذي تيقن المسلمون صدقه في القول، وعرفوا نصحه في الأمر، وتبينوا حكمته في التشخيص.
وبذلك يكون الخمر قد انعزل في أوقات الصلاة تشريعا، وانعزل في غير أوقاتها مروءة وكرامة. وبات المسلمون يترقبون تحريمها المطلق، ويتوقعون منعها المستمر، ويرون لمجتمعهم أن يتطهر منها ويبتعد عنها، نظرا لأن بعض المسلمين استمروا على معاقرتها في غير أوقات الصلاة فكانت بذلك سبب في بعض الخصومات والمنازعات.