لقد بلغ المسلمون الأوائل في الإيثار - بكل ما تشمله كلمة إيثار من معنى ومفهوم ومدلول - بلغوا درجة عليا. ومكانة عظمى. بما وقر في قلوبهم من إيمان. وبما أشرق في نفوسهم من يقين..
إن قوة الإيمان بالله، والتصديق برسوله صلى الله عليه وسلم. تجعل النفس الإنسانية. تشرق بالكثير من صفات الخير. وتتخلق بالآداب والفضائل العظيمة..
ولقد صنع ذلك الإيمان وهذا التصديق. جماعة اصطبغ سلوكهم بالشمائل الجليلة.. فكانوا يؤثرون إخوانهم بأموالهم. وديارهم. على أنفسهم. ويتنازلون عن قسمهم في الغنائم من أجلهم، ويقدمون حاجة إخوانهم على حاجتهم، حبا لهم، ورغبة في أخوتهم [٤] .
والإيثار في الإسلام هو: تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية رغبة في الحظوظ الدينية، وذلك ينشأ عن قوة اليقين، وتوكيد المحبة، والصبر على المشقة، يقال: آثرته بكذا أي خصته به وفضلته [٥] .
والذين سكنوا المدينة. وأشربت قلوبهم حب الإيمان، من قبل هجرة أولئك المهاجرين.. لهم صفات كريمة وشيم جليلة، تدل على كرم النفس ونبل الطباع، [٦] ولذا كانوا يقدمون المحاويج على حاجة أنفسهم، ويبدأون بالناس قبلهم، وفي حال احتياجهم إلى ذلك.. وهؤلاء تصدقوا به، وهم يحبون ما تصدقوا به، وهؤلاء آثروا على أنفسهم مع خصاصتهم وحاجتهم إلى ما أنفقوه [٧] .
وجاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني النضير على المهاجرين ولم يعط الأنصار إلا ثلاثة نفر: أبا دجانة سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف، والحارث بن الصمة. وقال لهم:"إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم، وشاركتموهم في هذه الغنيمة، وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ولم يقسم لكم شيء من الغنيمة". فقالت الأنصار: بل نقسم لهم من أموالنا وديارنا، ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها [٨] .