والجواب أن هذه المسألة من مسائل تعارض المطلق والمقيد والجاري على أصول مالك والشافعي وأحمد حمل المطلق على المقيد لا سيما مع اتحاد الحكم والسبب, كما هنا وسواء عندهم تأخر المطلق عن المقيد في سورة الأنعام وهى نزلت قبل النحل مع أنهما مكيتان آيات معروفة, والدليل على أن الأنعام قبل النحل قوله تعالى في النحل:{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ} الآية, والمراد به ما قص عليه في الأنعام بقوله:{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} الآية وأما كون الأنعام نزلت قبل البقرة والمائدة فواضح لأن الأنعام مكية بالإجماع والمائدة من آخر ما نزل من القرآن ولم ينسخ منها شيء لتأخرها, وعلى هذا فالدم إذا كان غير مسفوح كالحمرة التي تظهر في القدر من أثر تقطيع اللحم فهو ليس بحرام لحمل المطلق على المقيد وعلى هذا كثير من العلماء, وما ذكرنا من عدم النسخ في المائدة قال به جماعة وهو على القول بأن قوله تعالى:{فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ} الآية.
وقوله:{أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} غير منسوخين صحيح وعلى القول بنسخهما لا يصح على الإطلاق, والعلم عند الله تعالى.