وليس بعيدا أن تستقيم الأوزان وتستقر الأوضاع، ولكن ذلك رهين الإيمان العميق، والتنظيم الدقيق، والعمل المتواصل. وذلك أن الناس لم يكونوا صالحين قبل ابتعاث محمد صلى الله عليه وسلم، كما أنهم لم يكونوا فاسدين من بعده.. وإنما ابتدأ الفساد برجل واحد ثم ثان وثالث ثم استشرى الداء وظهر الفساد في البر والبحر. وليس بدعا كذلك أن يبدأ الإصلاح في زماننا هذا برجل واحد ثم ثان وثالث وآخر، ومما لا شك فيه أن اثنين لو اجتمعا على أمر (ما) يكونان به مؤمنين، أقوى من مائة آحادا متفرقين، وهذا ما نعانيه في عصرنا من تفكك أهل الحق ووحدة أهل الباطل!.
إن عالمنا هذا قد ابتلعه هذه المعسكرات شرقيها وغربيها، ولو أنها تختلف فكريا إلا أنها تتفق عمليا في حرب الإسلام، إذ جاءتنا من فوقنا ومن أسفل منا وعن أيماننا وعن شمائلنا، عن طريق المذياع وشاشة السينما والتلفزيون، وهذه الكتب والمجلات الرخيصة الداعرة.. الموجة التي غطت على المكتبات العلمية، وسرقت أرواح شبابنا واستهوت عقولهم بفنها وسحرها، وكدنا من جراء هذه الإستكانة نفقد الأمل في إنجاح عملية البعث الإسلامي المرتقب لولا بقية إيمان..
إن المذاهب المادية المعاصرة قد تسلحت بالوسائل المغرية العديدة والنظم الدقيقة، والنظام لا يقابل بالفوضى، والجمع لا يقابل بالشتات، وقد أضحى واضحا أن من يعمل للإسلام في هذا العصر منفردا كمن يسبح في غير ماء، أو كمن ينقب عن البترول (بالمعول) أو يبحث عن الجواهر (بالشبكة) .
إن الدعوة الإسلامية قد اتسمت بالدقة والنظام، وقد واكبت ذلك منذ فجر تاريخها، ولعل في مراحلها السرية والعلنية بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم إشارة ولفت نظر وذكرى.. وأي ذكرى للدعاة في كل عصر ومصر. ولست مدعيا إذا قلت أن كل من رام الإصلاح عفوا لهذا المجتمع المريض، ولم يسع له سعيه اللازم فقد خالف سنة الله الكونية..