وأما {هَبَاءً مَنْثُوراً} فبيان قد أخرج ما لا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه حاسة.
وقال عز وجل:{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}[٦] يقول: حقيقته فبلغ ما تؤمر به، والاستعارة أبلغ من الحقيقة، لأن الصدع بالأمر لابد له من تأثير كتأثير صدع الزجاجة، والتبليغ قد يصعب حتى لا يكون له تأثير، فيصير بمنزلة ما لم يقع، والمعنى الذي يجمعهما الإيصال، إلا أن الإيصال الذي له تأثير كصدع الزجاجة أبلغ.
وقال عز وجل:{بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ}[٧] حقيقته (شديدة) والعتو أبلغ منه لأن العتو شدو فيها تمرد.
وقال عز وجل:{سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ}[٨] يقول الرماني: "شهيقا"حقيقته صوتا فظيعا كشهيق الباكي، والاستعارة أبلغ منه وأوجز والمعنى الجامع بينهما قبح الصوت.
{تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} حقيقته من شدة الغليان بالاتقاد، والاستعارة أبلغ منه، لأن مقدار شدة الغيظ على النفس محسوس مدرك ما يدعو إليه من شدة الانتقام فقد اجتمع شدة في النفس، تدعو إلى شدة انتقام في الفعل، وفي ذاك أعظم الزجر، وأكبر الوعظ، وأول دليل على القدرة وموقع الحكمة.
وقال تعالى:{إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيرا}[٩] أي تستقبلهم للإيقاع بهم استقبال مغتاظ يزفر غيظا عليهم. وقال تعالى:{وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ}[١٠] وحقيقته انتفاء الغضب، والاستعارة أبلغ. لأنه انتفى انتفاء مراصد بالعودة فهو كالسكوت على مراصدة الكلام بما توجبه الحكمة في الحال، فانتفى الغضب بالسكوت عما يكره، والمعنى الجامع بينهما الإمساك عما يكره.