وقال تعالى:{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً}[١١] ذرني ها هنا مستعار وحقيقته: ذر عقابي ومن خلقت وحيدا بترك مسألتي فيه، إلا أنه أخرج لتفخيم الوعيد مخرج ذرني وإياه لأنه أبلغ، وإن كان الله تعالى لا يجوز عليه المنع، وإنما صار أبلغ لأنه لا منزلة من العقاب إلا وما يقدر الله تعالى عليه أعظم. وهذا أعظم ما يكون من الزجر.
أما الباب الثاني – الذي سنطرقه في هذا المقال فهو باب الفواصل، والفواصل – في نظر الرماني – حروف متشاكلة في المقاطع، توجب حسن إفهام المعنى وهي في رأيه من دلائل الإعجاز القرآني.
والرماني يرى أن هناك فرقا كبيرا بين هذه الفواصل القرآنية والأسجاع، فإذا كانت الفواصل بلاغة، فإن الأسجاع عيب، (وذلك أن الفواصل تابعة للمعاني، وأما الأسجاع فالمعاني تابعة لها، وهذا قلب ما توجبه الحكمة في الدلالة، إذ كان الغرض الذي هو حكمة إنما هو الإبانة عن المعاني التي الحاجة إليها ماسة، فإذا كانت المشاكلة وصلة إليه فهو بلاغة وإذا كانت المشاكلة على خلاف ذلك فهو عيب ولكنة: لأنه تكلف من غير الوجه الذي توجبه الحكمة ومثله مثل من نظم قلادة ثم ألبسها كلبا. وقبح ذلك وعيبه بين لمن له أدنى فهم.
ويقدم لنا الرماني لذلك مثلا فيما يحكى عن بعض الكهان:
"والأرض والسماء، والغراب الواقعة بنقعاء، لقد نفر المجد إلى العشراء"ومنه ما يحكى عن مسيلمة الكذاب: "يا ضفدع نقي كم تنقين، لا الماء تكدرين ولا النهر تفارقين"، ثم يقول: "فهذا أغث كلام يكون وأسخفه، وهو تكلف المعاني من أجله، وجعلها تابعة له من غير أن يبالي المتكلم بها ما كانت.
وفواصل القرآن كلها بلاغة وحكمة لأنها طريق إلى إفهام المعاني التي يحتاج إليها في أحسن صورة يدل بها عليها. ويرى الرماني أن فواصل القرآن الكريم على وجهين: أحدهما على الحروف المتجانسة.