إنها قضية الجبر والاختيار، وفي عبارة الشيخ ما يوحي أنها لا تستحق بنظره أي اهتمام، ناسيا حفظه الله أنها مدار كل الفلسفات التي حاولت تحديد مسؤولية الإنسان.
إن القول بأن الإنسان مجبر على سلوكه إنما هو تقرير قاطع بتجريده من كل أثر للحربة، ومن ثم إعفائه من أي مسؤولية عن أي فعل يأتيه. . وحصيلة ذلك تعطيل الشرائع، وإبطال القوانين واعتبار كل محاولة لتصحيح مسيرة الإنسان عبثا لا مردود له. . وهذا ما انتهى إليه السواد الأكبر من عامة المسلمين في العصور المتأخرة إذ سيطر عليهم الوهم، فأقنعوا أنفسهم بأنهم في كل ما يقترفون إنما ينفذون إرادة الله، الذي ألزمهم ذلك عن طريق الإكراه وليست الوجودية والسوفسطائية واللاإرادية إلا صورا لهذا الاتجاه المظلم. بل لعله اليوم أبرز ما يكون في الماركسية التي تعتبر أخلاق الإنسان كسائر تصرفاته نتيجة لازمة لنظام الإنتاج.
ثم إن وضع (الاختيار) في مقابل الجبر يوحي كذلك بأن المراد منه ما ذهب إليه منكرو القدر القائلون بأن الإنسان خالق لأفعاله في معزل عن قدرة الله وإرادته.
ومعلوم لدى أولي العلم والفطر السليمة أن كلا المذهبين من الضلالات الكبرى المنافية لحقائق الإسلام الذي وضع كل فرد تلقاء تبعته، وألزمه طائره في عنقه، فإذا ما تركنا للناس أن ينحرفوا عن جادته يمنة ويسرة لم يكن لنا أي حق في دعوتهم إلى التعاون لإشاعة المعروف وإزالة المنكر، إلا كما نتعاون مع أي فريق من الناس على أساس المنفعة العارضة، تجمع الملتقين عليها إلى حين ثم لا تلبث أن تمزقهم أيدي سبأ.
وهكذا يتضح خطر السكوت عن معظم القضايا الواردة في عبارة فضيلة الدكتور، والتي يرى أن الكف عن ذكرها وتنبيه المسلمين إلى أخطارها من الشروط التي لا مندوحة عنها للتعاون في وجوه أعداء الإسلام.