ونعود الآن إلى تحليل عبارة الشيخ، أنه يحصر مآخذه على الجماعة بأشياء ليست على مستوى واحد من الأهمية أو قابلية الاختلاف. فزيارة القبور أمر مسلم عند السلفيين ومخالفيهم على سواء، وهي كغيرها من القربات إما أن تقف عند حدود الشرع فتكون دعاء للميت، وعبرة للحي، وإما أن يشتط الزائر فيخرج بها إلى الاستغاثة بأصحابها وسؤالهم النفع والضر، وفي ذلك من الزيغ ما لا يصح أن يختلف في إنكاره عاقلان. وفي قراءة سورة الكهف يوم الجمعة أحاديث تسوغ للمطلع عليها الحكم بفضلها، والعمل بها، وعلى هذا فلا داعي لاعتبار هذا الأمر من مظان الخلاف ذوات الشأن. وكذلك القول في المسبحة، فمع أنها لم تعرف في الصدر الأول، لا تستدعي الكثير من الأخذ والرد، إذا كان الغرض منها هو ضبط العدد المسنون للتسبيحات. . وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى أزواجه تستعين على ذلك بالنوى فلم ينكره عليها، بل أرشدها إلى خير منه، أما موضوع زيارة الأولياء - ولعله أهم المهمات بالنسبة إلى القوم - فما ينبغي أن يترك أمره للأهواء والأذواق لما يترتب من نواتج تمس عقيدة التوحيد في الصميم.
فقبور الأولياء وغيرها من أضرحة المسلمين مجال صالح للدعاء لأهلها والاعتبار بمصايرهم، فلا اعتراض على زائريها على هذا الوجه المشروع ولكن الإنكار إنما ينصب على تخصيصها بالقصد والسفر، وتوجيه النذور، وذبح (العجول) التي تعد لها وتنحر على اسمها، وما يتعرى قصادها بإزائها من الخشوع الذي لا يعهد منهم بعضه بين يدي الله، وهم يقومون بأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين فكيف إذا أضيف إلى ذلك الطواف والتمسح ونشدان الحاجات. مما لا يجد فاعله مستمسكا يحتج به من وحى أو عقل.
وبقي من النقاط التي شملتها إشارات الشيخ الأكبر تلك الطامة الهامة التي لا أحسبه قد تنبه إلى أبعادها الخطيرة حين حشرها بين ما يعتبره من المآخذ.