وكانت هناك مدارس في القرن الرابع وأوائل الخامس من الهجرة في بلاد الإسلام شرقا وغربا وأنها كانت مكانا خاصا مهيأ للتدريس غير المسجد والكتاب ودار العلم والحكمة، وربما كانت فيها غرف يسكنها الطلاب الغرباء وكذلك بعض الشيوخ من المعلمين والمربين. ومن هذه المدارس: مدرسة بنيابور للإمام النيابوري، ومدرسة في طهران للإمام الحاتمي للتدريس على المذهب الشافعي، ومدرستان في بغداد لتعليم المذهب الشافعي، والمدرسة السعيدية والمدرسة البيهقية (بنيسابور) والمدرسة الجليلية وغيرها.
ولكن المدارس لم تأخذ صورتها النظامية بالمعنى المطلوب إلا حين أسس السلطان نظام الملك السلجوقي مدارسه في بغداد وغيرها من عواصم الدولة الإسلامية التابعة للدولة السلجوقية في عهده. ويعتبر عمل نظام الملك أول عمل رسمي قامت به الدولة الإسلامية لتنظيم الدراسة وترتيبها بتهيئة الأسباب وإيجاد المواد الضرورية اللازمة للدراسة وتحديد ميزانية مالية لها، وإعداد الرواتب والنفقات والإعانات للأساتذة والطلاب وتثبيت بعض النظم والتقاليد التي كانت غير مستقرة فعلا.
ولكن عندما حل القرن الخامس الهجري فترت الهمم وكثر الهدامون والمخربون ودعاة البدع والخرافات وأصحاب الملل والنحل. ولهذا كان عمل نظام الملك عملا جليلا صان به الحركات العلمية والأدبية والثقافية من التدهور والانحلال وسوء المصير.
غير أن نظام الملك وإن كان قد صان العلم وحفظه فإن كثيرا من العلماء في ذلك الوقت لم يكونوا يميلون إلى هذا النظام الجديد للمدارس وفضلوا عليه ما كان سائدا من قبل وهو نظام التعليم الحر في المساجد والبيوت والكتاتيب وحجتهم في ذلك إن الذين كانوا يقومون بالتعليم في النظام القديم كانوا من أرباب الهمم العالية والأنفس الزكية الذين يقصدون العلم لشرفه، وبوحي من ضمائرهم وبصورة اختيارية لا إكراه فيها ولا لطمع مادي أو مأرب وظيفي.