للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذا هو سيد البشرية وإمام الهداة والمصلحين استطاع في فترة وجيزة لا تربو على ربع قرن من الزمان أن يسحق إمبراطوريتين من أعظم إمبراطوريات العالم بقادة عظام صنعوا هذا التاريخ العظيم، ويقلب التاريخ رأسا على عقب, وأن يكبح جماح أمة اتخذت الصحراء المحترقة سكنا لها، واشتهرت بالشجاعة ورباطة الجأش والأخذ بالثأر، ولم تستطع الدولة الرومانية أو الدولة الفارسية أن تنتصر على الأمة المسلمة. وليس أدنى شك عندي أو عند أي مؤرخ منصف أنّ القوة الخارقة للعادة التي استطاع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن يقهر بها أعداءهُ هي من عند الله. كان محمد صلى الله عليه وسلم هو أول قائد في الإسلام.. حقيقة لا مرية فيها.. النبوة كانت أولا.. ثم القيادة.. إنّ الرسول العظيم لم ينشأ قائدا, ولم يدخل كلية حربية, ولكنه اضطر إلى القتال حتى يدفع الأذى عنه وعن أهله وصحبه, فالقيادة عند رسولنا لم تكن هواية أو احترافاً, وإنما كانت مسؤولية تاريخية حتمية فرضتها مصلحة الدعوة, واحتياجات الدفاع, وحماية المؤمنين, الذين صبّ عليهم المشركون العذاب صبّاً.

وهو - في مركز القيادة - لم يبدأ أحدا بالعدوان, ولم يحارب إلا للدفع، ولا جرم أن كان من الخير أن يشرع استعمال القوة لحماية السلام من أعدائه في الداخل والخارج {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً} [١] ..

والإسلام فأول ما يلاحظ فيه اشتقاق اسمه من مادة السلام, فالإسلام والسلام من مادة واحدة.