للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبعضهم كان قد تلقاك لقاء ذي ودّ، فوقف مسلّما هاشا باشَّا تضحك أسارير وجهه، وإذْ لم يكن هناك مكان قال: لنا الشرف أن تكونوا في هذا الفندق نزلاء، وإنه ليؤسفني ألا يوجد الليلة متسع، ثم شيّعك إلى الباب وهو يكرِّر اعتذاره ويظهر أساه، وإني لأذكر أنك قد خرجت من هذا الفندق راضية مطمئنة وإن لم تلقَيْ فيه ما كنت تنشدين.

وذات ليلة ونحن في طريق العودة، وقد طاب لك المقام في أحد الفنادق الفخمة، وجلسنا على أريكة وثيرة نسرح الطرف في الآفاق البعيدة وفي مواكب النجوم، أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا، وجعلت تهمسين في أذني وتقولين:

شتان - يا صاحبي - ما كان بين ذينك الرجلين، ولكنّي لم أدر حتى الليلة سببا لما كان.

فقلت: أي رجلين تعنين؟ لعلّكِ تقصدين من تلقانا في فندقه لقاء خشنا، ومن تلقانا في فندقه لقاء حسنا.

فقلت لي: نعم، هو هذا.

فأجبت أقول: أما الثاني فأظنه ذا دين وخلق، فحين رآك أحسّ وشائج ذاك الدين، فحنّ وحنا وعطف. والعقيدة الصحيحة الصادقة يا لحيتي العزيزة ما أسرع ما تؤاخي بين أصحابها وإن اختلف العرق والدم واللون وإن اختلفت الدار واللغة.

أما الثاني فأنا في حيرة، لا أدري كيف أحلّل وأعلّل!!

أذكر أننا حين دخلنا عليه كان يلعب الشطرنج، فلعله كان مغلوبا في ذاك اللعب أو أوشك أن يُغلب، فكان جوابه الجاف وصوته الخشن واستقباله الفظّ صدى همّه وحزنه وما يعانيه.

وأظنّك لا تزالين تذكرين أنك رأيت في قاعة الاستقبال لذاك الفندق وجوها زهاها الحسن أن تتقنعا، ورجالا على حظ من الثروة والجاه عظيم، فلعل صاحب الفندق كان يخشى أن تكوني لهم شجاً في الحلق أو غصة في الصدر أو قذى في العين، وهو عليهم أحرص، وفي جيوبهم أطمع، فكان منه كان.

ولقد همست في أذني حينئذ تقولين: ولكنه كان في أولئك القوم لحى مثلي، ولربما كان بعضها أعظم وأضخم.