للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن هذا المنطلق السماويّ الصفيّ, سعيت بقطرات الضَوء، وتحرّكت مع الإنسان فسّجلت حياته وتاريخه, ودوّنت انتفاضاته ومعاملاته، كما حرّكْتُ في هالة الضوء إيمانه وبيانه، ونوّرت مع لغة قلبه حنانه ووجدانه, ثم أخذت كل ذلك، ووضعته في ضمير الزمن، ليتحرّك به فمه مع الأجيال وللأجيال, وليتحدث به في أذن التاريخ، وينتقل معه في رحلة الضوء، ومع قطراته الحبيبة الرحيبة، وليتقدم به إلى الكون حياة إنسان، وعهد إيمان، وإشراق علم وعمان، ومعالم حضارة إسلامية, بنت الوجود على العلم والكتاب، وجمعت شتاته على خير لسان وبيان.

ومن هنا كان قسم الله بالقلم وبالكتاب, فقد أقسم الله تعالى بي وبما أتحرك به على الورق ليسطّر وينوَر: من علم وفن وبيان في قوله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} .

وهو أعظم تكريم لي، ولما أدوّنه في كل زمان ومكان, فقد كان الوجود وما يزال مدينا لدعامتين: قلم وكتاب, يعني مدينا لي ولما أسطره ولا فخر..

وعلى هذا سارت قطرات الضوء في ركب الدعوة الإسلامية, لترى الدعامتين تقويان وترتفعان, حين تسير بهما على الألسنة, وبين الضمائر والخواطر, مشاعل الهداية، ومنائر الإخلاص والخلاص، لتأخذ بيد البشرية، وتمد لها طوق النجاة، لتجذبها من غمار الضلال والبهتان, إلى مراقي الإيمان والصدق والأمان.

ثم تقدمت في خشوع وإجلال لأتحرك بقطرات الضوء في موكب النبوة، فتابعت الرحلة, حينما تنزل الوحي على سيد المرسلين، وحينما تنقّل على أفواه الصحابة, وحينما صحبني الكاتبون، لأدوّن أحلى ما تحرّك به لسان، وأجمل ما نطق به فم, وأعظم ما قرأه رسول. وأقدس ما نوّر به لبان. لأدوّن القرآن الكريم.

فقد كان القرآن ما يكاد يتنزل وحْياً, وما يكاد يُتْلىَ نوراً, حتى تسعى له آذان الكون, وحتى تردده الخواطر والضمائر, وحتى يتحرك على أفواه المؤمنين الموقنين نورا ودستورا.