للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وظلت كذلك في رحلة النور, إلى أن أكمل الله دينه, وثبت بين القلوب يقينه, وأصبح كل أصحاب رسول الله أضواء تسعى بالقرآن، وتمشي بين الناس بالعلم والعمل.

وفي موكب الجلال والكمال أخذت أتابع مشرق الوحي، حين يمضي بركب النبوة إلى ميادين الجهاد والنصر، فتأخذني العزة والفخر إلى منبع الإشراق والهدى. وحين تمت الرسالة بإتمام الدين, مضى الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى حين أتاه اليقين.

وهنا كادت تسيل قطرات الضوء دموعا, وتذيب الضلوع فزعا وهلوعا, ولكن تحركت الآيات وأضاءت الأصوات: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [٣] .

من هنا صحوت وآمنت بأمر الله، وأيقنت بحكمة الله، وسرت بقطرات الضوء مع الرسالة حين أخذت طريقها بين الصحابة والتابعين. وأصبح الحفاظ لكتاب الله، والواعين لسنة رسول الله، وأحاديثه الشريفة الجامعة. أخذ هؤلاء وأولئك يسيرون وكأنهم مصاحف بشرية تتحرك بين الناس، وكتب للسنة تنطلق كما كان يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم. وظل الحال كذلك رغم الخطوب والحروب.

وقد فزعت, وأشتد جزعي وهلعي حينما احتدم الأمر في حرب الرِّدة, وقتل كثير من حفاظ القرآن, ولكني اطمأننت حينما دعاني الخلفاء الراشدون لكتابة القرآن, وأخْذِه من أفواه الحفاظ, وتدوينه على اللخاف [٤] والجلود. وكان عملا أسعد حياتي حينما أتم الخلفاء الراشدون كتابة القرآن الكريم كلّه قبل أن ترحل البقيّة الباقية من الحفّاظ.