خَلِيلي مُرَّابِي عَلَى أُمِّ جُنْدبِ
وأتبعه علقمة بقصيدة التزم فيها الموضوع والقافية، والروي لقصيدة امرئ القيس، فقال في مطلعها:
وَلَم يَكُ حَقَّا كُلُّ هَذَا التَّجَنُّبِ
ذَهَبْت مِنَ الهِجْرَانِ في غيْرِ مذْهَبِ
فلما فرغا من إنشادهما قالت لزوجها: علقمة أشعر منك.
فقال لها: وكيف ذاك؟ قالت: لأنك قلت:
وللزَّجْر فيه وَقْعُ أَخَرَج مُهْذِبِ [٥]
فلِلسَّوْطِ أُلهُوبٌ وللِسَّاقِ دِرَّةٌ
فجهدْت فرسَك بسوطك في زجرك، وَمَريْتَه فأتعبْتَه بساقك!! أما علقمة فقد قال:
يَمُرُّ كَمَرِّ الرائح المتَحلِّبِ
فأدْركهُنَّ ثانيا من عِنَانِهِ
فأدرك فرسه ثانيا من عِنانه، لم يضربه بسوط، ولا مراه بساق ولا زجره, ولم يتعبه، فقال امرؤ القيس: ما هو بأشعر مني، ولكنك له وامقٌ أي: محبة.
ويبدو أنها كانت كارهة لزوجها، فضلا عن تعصبها لابن عمها علقمة، فجاء حكمها ممثلا لهواها في بيت واحد من قصيدة طويلة، ولا أعتقد أن فرساً مَّا - بغضِّ النظر عن فرس امرئ القيس - لا يستطيع فارسها أن يمتطي صهوتها إلا إذا حرّك ساقيه، واستخدم سوطه، فأين مزية علقمة على امرئ القيس؟!!.
لكنها المرأة هي المرأة يغلب عليها الهوى، وكثيرا ما تجنح بها العاطفة!!
وفي تقديري أن قيمة هذه الرواية - إن صحت - في أنها تعبر عن أول كلام نقدي ذاتي تأثري يُنبِئُ عن الهوى عُرِف لدى الجاهليين.
فإذا ما انتهينا من هذه المعارضة النقدية التي بدت في شكل مباراة حاسمة تراءات أمامنا صورة القبة الحمراء المصنوعة من الجلد القائمة في سوق عكاظ تظلل النابغة الذبياني، حيث كان يتوافد إليه الشعراء, يقرضون شعرهم، ويعرضون نتاجهم، وكان أوّلهم: الأعشى (أبو بصير) الذي أنشد قصيدة طويلة أوّلها:
وَسُؤالي وما تَرُدُّ سُؤالي
مَا بُكاءُ الكَبيرِ بالأَطْلالِ