وواضح أنّ هذه الصفات التي تمناها عمر كانت مثار الشكوى من بني العَجْلان ضد النجاشي الشاعر، ولا شك أنّ هذا يكشف عن بُعد نظرة عمر الفاحصة!!.
وعمر بهذا التصرف كان يمارس مسؤولياته في تحقيق الطهارة للمجتمع، وصيانة أعراض المسلمين، وتخليص الحياة العربية من ألوان الهجاء المقذع، والسب الفاحش، ومن ثم رأيناه حاسما في القضاء والتنفيذ. أما حسان الناقد في هاتين الواقعتين فقد تميز نقده فيهما بالإيجاز في الحكم من غير تعليل له، شأنه في ذلك ما علمناه في أحكام الجاهليين النقدية وقد يقال: إن جوانب التفكير والبحث قد اتسعت في ظلال الإسلام، وهدي القرآن والسنة مما يستتبع اتساع دائرة النظرة الموضوعية في النقد الإسلامي، بيد أنه عند التأمل نجد أنّ المسلمين الأوائل قد شغلوا بالعديد من القضايا التي تمثل الأهمية بالنسبة لهم, وفي مقدمتها قضية الوجود الجماعي للمسلمين الذي كان مثار حوار كان في مجموعه ساخنا بينهم وبين الكافرين والمرتدين، وقد تجلى هذا الحوار الساخن في المعارك المسلحة التي خاضوها في الغزوات، وحروب الرّدة، وفتوح العراق، والشام، ومصر وغيرها.
كذلك شغلوا بالمجالات الخلقية، والدينية التي ركزوا عليها في بناء ودعم هذه الدولة الجديدة, فراحوا يعطون فيها القدرة العلمية، واهتموا في هذه الآونة بالقرآن الكريم، حفظه، وتلاوته، وجمعه، وتفسيره، وتقرير إعجازه، وقهره لأساطين البلاغة، وأرباب البيان والبراعة.
ولا شك أنّ هذه الأمور كلها في فترة ضيقة من الزمن لم تهيّء لهم المناخ الذي فيه يكُدُّون عقولهم في فهم الأدب ودراسته، وأتي لهم بأدب تمثل غالبيته مظاهر الحياة الجاهلية وأبعادها؟