كذلك حقيقة العبادة وحقيقة الصلاة، وحقيقة الزكاة والصوم، فلا يجوز العبث بهذه المصطلحات والتجني عليها، وإخضاعها للفلسفات الجديدة، وتفسيرها بالشيء الذي لا ثقة به ولا قرار له، وقد استخدمت هذه)) الإستراتيجية الدعائية ((الباطنية في القرن الخامس الهجري فما بعده ففسروا المصطلحات الدينية بما شأوا وشأت أهوائهم ومصالحهم وتفننوا فيه، وأتوا بالعجب العجاب، وحققوا به غرضهم من إزالة الثقة بهذه الكلمات المتواترة التي هي أسوار الشريعة الإسلامية وحصونها، وشعائرها، ونشر الفوضى في المجتمع الإسلامي، والجماهير المسلمة، وإذا فقدت هذه الكلمات التي توارثت فهمها الأجيال المسلمة وتواتر في المسلمين وأصبح فيها مساغ لكل داع إلى نحلة جديدة، ورأي شاذ، وقول طريف، فقد أصبحت قلعة الإسلام مفتوحة لكل مهاجم ولكل منافق، وزالت الثقة بالقرآن والحديث واللغة العربية، وجاز لك قائل أن يقول ما شاء ويدعو إلى ما شاء، وهذه فتنة لا تساويها فتنة وخطر لا يكلفئه خطر.
إن مفاهيم هذه الكلمات معينة على اتساع بلاغتها وعمقها وكثرة معانيها وإن الأمة توارثت هذه المفاهيم المعينة كما توارثت أشكال الصلاة والصوم والحج ونظمها الظاهرة، وتناقلتها وحافظت عليها من غير أقل انقطاع أو أقصر فترة، وإنه معنى قوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً} وهو معنى الحديث المشهور الذي صح معناه " لا تجتمع أمتي على الضلالة "[٥] وقد أثبت شيخ الإسلام ابن تيمية أن سنة واحدة من السنن الكثيرة لم ترفع من هذه الأمة بشكل كلي، وإنها لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على الحق.