والكلمات هي الوسيلة الوحيدة لنقل المعاني والحقائق من جيل إلى جيل ومن عصر إلى عصر، ومن إنسان إلى إنسان، فإذا وقع الشك في مدلول هذه الكلمات ومصداقها، أو صار التلاعب بها هيناً اضطربت دعائم الدين وتزلزلت أركانه، وهذا يعم التاريخ والشعر والأدب، لذلك كانت الفوضى اللغوية Liguistic Anarchy أشد خطراً وأكثر ضراراً من الفوضى السياسية Political Anarchy [٦] وليست قضية الأسماء والمصطلحات من البساطة بالمكان الذي يتصوره كثير من الناس، فإنها تؤثر في النفس تأثيراً خاصاً، وتثير معاني وأحاسيس ذات صلة بالماضي وذات صلة بالعقائد والأعراف أحياناً، ولذلك كره رسول لله صلى الله عليه وسلم أن يقال)) العتمة ((مكان العشاء، ويوم العروبة بدل الجمعة، واستبدال كلمة يثرب بمدينة الرسول أو بالمدينة، ولها أمثلة أخرى في الشريعة الإسلامية.
وكذلك أحذركم أيها الإخوان مما لوحظ من بعض الكتاب من الضغط على أن هذه الأركان الدينية وفرائض الإسلام كالصلاة والزكاة والصيام والحج وسائل لا غايات، إنما شرعت لإقامة الحكم الإسلامي وتنظيم المجتمع المسلم، وتقويته وأحذركم من كل ما يحط من شأن روح العبادة والصلة بين العبد وربه وامتثال الأمر، ومن التوسع في بيان فوائدها الخلقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية أحياناً توسعاً يخيل للمخاطب أو القارئ أنها أساليب تربوية أو عسكرية أو تنظيمية، قيمتها ما يعود منها على المجتمع من قوة ونظام أو صحة بدنية وفوائد طبية فإن أول أضرار هذا الأسلوب من التفكير أو التفسير أنه يفقد هذه العبادات قيمتها وقوتها وهو امتثال أمر الله وطلب رضاه بذلك، والإيمان والاحتساب والقرب عند الله تعالى، وهي خسارة عظيمة لا تعوض بأي فائدة، وفراغ لا يملأ بأي شيء في الدنيا.