أما ما يتصل بصفات العاملين في مجال الدعوة الإسلامية وجنود الدعوة إلى الله، فإني أركز في هذا الحديث على نقطة واحدة، وهو يجب أن يكون الدعاة يمتازون عن الدهماء والجماهير، ودعاة النظم الجديدة والفلسفات الجديدة، والفلسفات السياسية والاقتصادية بقوة إيمانهم وحرارة قلوبهم، وزهدهم في زخارف الدنيا وفضول العيش ونهامة للمادة، ومرض التكاثر، فإنهم لا يستطيعون أن يؤثروا فيمن يخاطبونهم، ويحملوهم على إيثار الدين على الدنيا والآجلة على العاجلة، وتلبية نداء الضمير والإيمان على نداء المعدة والنفس والشهوات، وإشعال مجامر قلوبهم التي انطفأت أو كادت تنطفئ، إلا إذا شعر الناس فيهم بشيء لا يجدونه في قلوبهم وحياتهم، فإن الناس ما زالوا ولا يزالون مفطورين على الإجلال لشيء لا يجدونه عندهم، فالضعيف مفطور على احترام القوي، والفقير مفطور على احترام الغني، والأمي مفطور على احترام العالم، حتى اللئيم مفطور على احترام الكريم، أما إذا رأى الناس علماء ودعاة لا يقلون عنهم في حب المادة والجري ورائها والتنافس في الوظائف والمناصب والإكثار من الثراء والرخاء، والتوسع في المطاعم والمشارب، وخفض العيش ولين الحياة، فإنهم لا يرون لهم فضلاً عليهم وحقاً في الدعوة إلى الله، وإيثار الآخرة على الدنيا، والتمرد على الشهوات، والتماسك أمام المغريات، وقد قيل)) إن فاقد الشيء لا يعطيه ((وكذلك القلب الخاوي لا يملأ آخر بالإيمان والحنا، وأن الموت لا ينشأ الحياة. وأن البرودة لا تعطي الحرارة وأن الرماد الذي لا تكمن فيه جمرة لا يلهب القلوب الخامدة ولا يحي النفوس الميتة، والكشاف لا ينير الطريق إذا كانت قد نفذت شحنته، فلا بد أن تشحن القلوب بشحنة جديدة، وإذا كانت بطارية من غير شحنة كانت أقل عناء وقيمة من عصا يحملها الإنسان فقيمة البطارية الشحنة وقيمة الشحنة النور، فإذا لم تكن شحنة أو كانت شحنة ولا نور فالعصا خير منه.