للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نحن في عصر تحول فيه صراع الأمم والشعوب من صراع عسكري إلى صراع اقتصادي في جوهره، يتخفى وراء صراع فكري عقدي أو مذهبي، وأصبح من المصطلحات الشائعة في عالم اليوم ما يتردد عن - الغزو الفكري - الذي اشتدت ضراوته، واصطنعت له الأساليب والمناهج التي خدمها العلم بجانبيها النظري والعملي على السواء. هذا الغزو الفكري المتبادل بين الشرق والغرب, وبين مختلف النظم والمذاهب المعاصرة بعضها وبعض، يركز ويكثف جهوده على بلاد العالم الإسلامي بخاصة، وعلى البلاد النامي بوجه عام، فهي- من جهة- مطمح نظره، يرى فيها طلبته التي تحقق مطامعه الاقتصادية، ومن جهة ثانية، يراها مختلفة، وتخلفها يجعلها أكثر طواعية وتقبلا لما يقذف به إليها من فكر، يراد منه أن يكون رباطا وثيقا يشد إليه عقول أبنائها على نحو يجعل منهم تابعين مخلصين، ينفذون له مخططاته في بلادهم دون أن يضطر إلى الكشف عن وجهه القبيح، كما يوفر عليهم الكثير من الجهود والمال لو أنهم اصطنعوا للسيطرة وجه آخر.

هذا الغزو الفكري ترصد له ميزانيات ضخمة، وتقام له مؤسسات وأجهزة تخطط له، وترسم له المناهج والأساليب وتعد له من الوسائل والأدوات ما يجعله قادرا على تحقيق غاياته.

إن المراكز الثقافية وما إليها، والإذاعات الموجهة، مسموعة ومرئية، والسينما، ودور النشر، وفروع الجامعات الأجنبية والمكتبات العامة الأجنبية التي لها إمكانات تجعلها مقصد طلاب البحث العلمي في جامعات كثيرة من بلادنا الإسلامية والعربية وبلاد العالم النامي ـ فضلا عن الصحافة التي تتخذ منبرا يصل صوته إلى كل مكان ـ هذه كلها من أدوات - الغزو الفكري - المباشرة، ولعل غير المباشر من هذه الأدوات أشد خطورة وأخفى آثارا.

لعل هذا يصور لنا حجم التمويل والمال المرصود لهذا النشاط الزاحف الشرس المصر الدءوب.