ومشكلة جهاز الدعوة الإسلامية اليوم بوجهيه البشري والمادي، تتمثل في عجزه عن الوفاء بمتطلبات الدعوة تحت ظروف العصر عجزا مزدوجا يشمل الكم والكيف معا.. فمن حيث الكم نجد قصورا واضحا في أعداد الدعاة والمشتغلين في مجال الدعوة على وجه العموم، فالمساجد ـ مثلا ـ لا تجد من الأئمة والخطباء من يقومون بهذه الوظائف بأعداد تكفي لتغطية حاجتها جميعا, والواقع حتى في أحسن المجتمعات الإسلامية ظروفا من هذه الناحية ينطق بهذا النقص..ومثل ذلك يقال عن عدد الوعاظ فالمأهلون منهم قلة محدودة جدا، وبجانبهم أعداد هائلة ممن يمارسون الوعظ هواية أو من خلال جمعيات تعد لهم مستويات من الدراسة تتيح لهم حد أدنى من المعرفة الدينية الضرورية التي قد تكفي لمواجهة حاجات البيئات المحدودة الفكرة والثقافة، ولكنها لا تفي بحاجة الإنسان الذي نال قسطا كبيرا من ثقافة العصر، وتعرض لمؤثراته الفكرية والحضارية..إن ساحة الدعوة الإسلامية داخل البلاد الإسلامية نفسها خالية ـ إلا نسبة محدودة منها ـ من دعاة حقيقين، قادرين على حمل أمانتها والوفاء بتبعاتها...
فإذا ألقينا ببصرنا على ساحة الدعوة خارج بلاد المسلمين، وحيث يوجد ملايين البشر مازالوا على فطرتهم، أو شابتهم وثنية انتقلت إليهم بالعدوى، وحيث يوجد ملايين من أصحاب الديانات الأخرى يعانون القلق، ويبحثون عن معتقد تطمئن إليه نفوسهم التي يرهقها الآن أن تتقبل عقائد ومذاهب يصعب على عقل أضاءه العلم وصقلته الحضارة أن يتقبلها.
هؤلاء حيارى يتلمسون الضوء في ظلمات بعضها فوق بعض، ولو أن دعوة الإسلام بلغتهم في خطاب يفهمونه وأسلوب حكيم يفتح لها الطريق الصحيح إلى عقولهم وضمائرهم لكان لهم من الإٍسلام موقف آخر، ولغدوا جنودا مخلصين، يستطيعون ويملكون من وسائل نشر الإسلام بين أقوامهم ما لا نملكه نحن في بلاد المسلمين.