من هنا أراني مضطرا، بإزاء هذا المؤتمر المرموق، الذي يعقد لبحث متطلبات الدعوة، في الجامعة الإسلامية التي أنشئت لخدمة الدعوة على مستوى العالم الإسلامي، وفي مهبط الوحي الذي منه انطلقت أشعة الوحي لتضيء طريق الإنسانية، أجدني مضطرا إلى التذكير بالحقيقة التالية: إن الإسلام هو دعوة الله الخالدة الشاملة، وكل مؤمن بها فردا أو جماعة مكلف إذا عتها ونشرها في حدود طاقته ووسائله.. ولكن أول شروط الداعي وضوح الرؤية لديه بحيث يعرف من أين يبدأ أو إلى أين يريد أن ينتهي، وما حدود المجال الذي سيعمل فيه.. وعلى هذا لا مندوحة عن الإجابة مبدئيا على هذا السؤال:
من أين نبدأ:
في مطالع البعثة النبوية كان على الداعي الأول (صلى الله عليه وسلم) أن يؤمن بنفسه أولا نبيا مختارا من قبل الله، حتى إذا تضلع من اليقين بهذه الحقيقة جاءه الأمر الأعلى بدعوة الآخرين من عشيرته الأقربين، ومن ثم، وبعد أن أخذ الإيمان مستقره في صدور الصفوة من هؤلاء، استقبلت الدعوة مرحلتها العالمية فراحت تنتشر مع الشمس في كل اتجاه من دنيا الناس، تحملها نفوس صفت التربية الربانية مقوماتها من عوامل الضعف والهبوط، فكانت بنفسها صورة نموذجية للخير الذي تدعوا البشر إليه.
تلك حقيقة يعرفها كل واع لتاريخ الدعوة الإسلامية، ولا مندوحة عن اعتبارها المنطلق الأول لكل تحرك في هذه السبيل: وعي الدعاة لما يريدون دعوة الناس إليه، ثم إيمان يسترخص كل شيء دونه وفي سبيله، ثم تميز بصفاته الواضحة عن كل ما عداه من الدعوات والمذاهب، فلا مساومة ولا مشاركة، ولا أنصاف حلول، وإنما هو تصميم قاطع على التحقق بقوله تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ..} .