للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى هذا فلا مناص للعاملين في نطاق الدعوة من تحديد نقطة البدء في منطلقهم، وهي تكوين أنفسهم، وتنظيم طاقاتهم على روح الدعوة التي آمنوا بها، حتى لا يلحظ الآخرون أي تناقض بين ما يقولون وما يفعلون. فإذا كان الداعي فردا من المثقفين كانت عدته الأولى بالحق الذي يريد إشاعته، وإذا كان الداعي دولة أو حاكما فالتبعة أكبر وأثقل، لأنها تقتضيه أن يكون الحارس الأمين لمبادئ دعوته، يستلهم أحكامها في كل صغيرة وكبيرة من عمله، فلا يحيد عنها في قضاء أو تدبير أو تنفيد.. ويكون في سلوكه الشخصي صورة حية من العدالة والنزاهة، اللتين يتميز بهما الحاكم المسلم، فيستحق أن يكون القدوة الصالة لمن تحت يده من المؤمنين بهذا الدين والجاهلين له على سواء.

أجل.. تلك هي الحقيقة، التي لابد من التزامها لإنجاح العمل، الذي ينعقد هذا المؤتمر المبارك من أجله.. ولذلك كان لزاما على كل مفكر يؤمن بهذه الحقيقة أن يحاول جهده الارتفاع إلى مستواها أولا، لئلا يندرج تحت قوله تعالى {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ..}

الإسلام والجاهليات

منذ انبثق فجر الإسلام بدأت معاركه مع الظلمات الجاهلية، فما تخمد نار إحداها حتى تستعر أخرى وقد استطاعت أن تمد ألسنتها في الكثير من الأحايين إلى قلب حصونه، فتدمر وتشوه، وتزلزل أعصاب الكثيرين من ضعفاء الوعي، فتؤلف منهم عصائب وفرقا، ما زالت بهم حتى جعلت منهم أشد أعداء الإسلام نكاية له، وتصميما على استئصاله.. وفي عصرنا الراهن نماذج رهيبة من هذه المعارك، اختلفت أدواتها، وتباينت أساليبها، ولكنها تلتقي جميعها على الغاية الواحدة التي هي تدمير الإسلام.

ومعلوم لكل ذي لب أن خصوم الإسلام في هذه المرحلة الرهيبة قد حققوا غير قليل من النجاح في صميم العالم الإسلامي، إذ استطاعوا بوسائلهم المدروسة البالغة الدقة أن يتسللوا إلى كل معقل منه، فيعملوا فيه هدما وإفسادا.