لقد أخذوا على المسلمين سبل الحياة جميعا، فأفقدوهم الثقة في أنفسهم ومقوماتهم أولا، ثم أقنعوا أولى السلطة منهم ـ إلا من رحم الله ـ ألاّ منفذ إلى أي تقدم إلا عن طريقهم وبتوجيههم.. وهكذا أصبح المسلمون في كل مكان، وبإيحاء هذا الإيهام، رمز الأمة التي قدر لها أن تكون نموذج التخلف في قافلة البشرية، بعد أن كانت رائدة الركب الحضاري، لا عمل لها إلا حراسة الخامات التي أنعم الله بها عليها لتقدمها إلى خصومها بأرخص الأثمان، كي يردوها إليها مصنعة بأضعاف أثمانها.
وعلى دأب المستضعفين في الإعجاب بالمستضعفين أقبل المسلمون على تعقب آثار هؤلاء دون تفريق بين الضار والنافع، والصحيح والفاسد، بل لقد أسرفوا في الجانب الادني من شؤونهم، حتى أوشكوا أن يتميزوا به.. فطرز أبنيتهم صورة مكررة لمنازلهم القائمة على النظام الوثني، الذي لا يقيم وزنا لفضائل الإسلام، ومناهجهم الدراسية نسخ منسوخة من مقرراتهم التي لا تقبل التعامل مع حقائق الوحي، إلا ما بقي من آثار لا وزن لها في نتائج الامتحانات وفي الغالب من ديار الإسلام: وقد اكتسحت بيوت المسلمين فنون الكفرة، فهي تغزوهم بالمنظور والمسموع من الملهيات المنافية لكل ما أمر الله به ورسوله ويألفونها شيئا فشيئا حتى تطرد من حياتهم كل ما يعارضها من الأخلاق الإسلامية كما تطرد العملة الزائفة الصحيحة، وكأنهم بذلك إنما يحققون باختيارهم ما حذرهم منه نبيهم المعصوم بقوله الخالد:"لتتبّعنّ سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم.. "[١]