والمعنى أنه ليس كل شعر غواية بل منه ما يتضمن إقامة الحق والحث على الخير، كانت العرب تطلق اسم الحكمة على قوة جامعة لرزانة العقل والرأي وشرافة الخلق ومن هذا سموا الرجل العاقل المهذب حكيما. وكذا يطلقونها على فصل الخطاب وهو القول الواضح عند العقل والقلب والحكم والفضاء حقا كان أو باطلا قال تعالى:{مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} . {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُون} قال النووي في تعريف الحكمة: "فيها أقوال مضطربة وقد صفا لنا منها أن الحكمة عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتمل على المعرفة بالله تعالى بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به والصبر عن الهوى والباطل وقد اتفق العلماء على مدح الإيجاز والإتيان بالمعاني الكثيرة بالألفاظ اليسيرة وعلى مدح الإطناب في مقام الخطابة بحسب المقام. نعم الإفراط في كل شيء مذموم وخير الأمور أوسطها"[٢٤] .
الحديث الثالث:
عن البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: "اهجهم وهاجهم وجبريل معك" متفق عليه. وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع حسان بن ثابت الأنصاري يستشهد أبا هريرة: أنشدك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا حسان أجب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أيده بروح القدس؟ ". قال أبو هريرة: نعم". أخرجه مسلم. وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "جاهدوا المشركين بأنفسكم وأموالكم وألسنتكم". أخرجه أبو داود.
عن كعب بن مالك حين أنزل الله تبارك وتعالى في الشعر ما أنزل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الله تبارك وتعالى قد أنزل في الشعر ما قد علمت وكيف ترى فيه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه". أخرجه أحمد.
وفي رواية له:"والذي نفسي بيده لكأنما تنضحونهم بالنبل فيما تقولون لهم من الشعر".