"إنك تعرف أن مصر ظلت ثلاثة عشر قرنا، وهي مؤمنة بالعقيدة الإسلامية، والأمة التي تقضي ثلاثة عشر قرنا في ظل دين واحد لا تستطيع أن تفرّ من سيطرة هذا الدين"[٣] .
ومعلوم ما يثبته المؤرخون من ((الانقطاع الحضاري)) الذي أحدثه الإسلام في نفوس المصريين، حين نفضوا أنفسهم تماما من التراث الفرعوني واليوناني والروماني، وتركوا هذه الحضارات تذوب وتضمحل، وآمنوا بالإسلام وتشربوا في معاملاتهم ولغتهم وسلوكهم ولم تكن لهم ثقافة خاصة منفصلة عن الثقافة الإسلامية الأصلية.
ورغم أن هذه الفكرة الساقطة - فكرة الانسحاب من العقيدة القوية المسيطرة، إلى أوهام القرون البدائية المنقرضة - لم يتقبلها المصريون أنفسهم، ولم يكن لها من بينهم دعاة يعتد بهم، فإنه من الواضح أن كثيرا من المستشرقين يحتضنونها في حدب شديد، ويعتبرونها ركيزة أساسية في محاولاتهم المستمرة والمتكررة لهدم الإسلام.
ونحن هنا نلفت الأنظار بقوة إلى أن كل دعوة قومية لإحياء العنصرية العرقية إنما هي دعوة مشبوهة، لأنها ضد الدين في المبدأ والأساس.
ثالثا: ادعاؤه الكاذب أن الدين ((ظاهرة اجتماعية)) :
ارتأى طه حسين - والحقد حشو فمه - أو قل: إنه نقل نقلا حرفيا عن أستاذه اليهودي ((إيميل دوركايم)) ذلك الرأي الخطير الكافر، الذي يطيح بكل تراث طه حسين وشخصيته وتاريخه:
"إن العالم ((الحقيقي)) (!!) ينظر إلى الدين كما ينظر إلى اللغة، وكما ينظر إلى الفقه، وكما ينظر إلى اللباس.. من حيث إن هذه الأشياء كلها ((ظواهر اجتماعية)) يحدثها وجود الجماعة. وإذن نصل إلى أن الدين في نظر العلم لم ينزل من السماء [٤] ، ولم يهبط به الوحي، وإنما خرج من الأرض كما خرجت الجماعة نفسها.."[٥] .