إذن فطه حسين، هذا المنبع الكدر لتيارات الإلحاد والتشكيك، هو السبب في ذيوع هذه الفكرة السامة التي روّجتها ألسنة الأغرار من الناشئة وأدعياء الثقافة والفلسفة، ونشرتها أقلام الكتاب من كل مسلوبي الشخصية وضعاف العقيدة في هذا العصر، الذين روّجوا أن الدين ظاهرة اجتماعية!! ظاهرة اجتماعية تصدر عن الجماعة، وتتطور معها، وليست بوحي سماوي من الله تعالى. وطه حسين أيضا- وقد ازداد بغيا وعتوا، وإفسادا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله – فقد رتّب على هذه النظرة المتحدية للدين ما يلي:
١- "أن الدين يجب أن يُعلّم فقط كجزء [٦] من التاريخ القومي، لا كدين إلهي منزل لإصلاح أحوال البشر". ويرى:"أن القوانين الدينية لم تعد تصلح في الحضارة الحديثة كأساس للأخلاق والأحكام، ولذلك لا يجوز أن يبقى الإسلام في صميم الحياة السياسية أو كمنطلق لتجديد الأمة". ويرى:"أن الأمة تتجدد بمعزل عن الدين"[٧] . وما من شك هنا أن هذا الملحد الجريء إنما يعرض للإسلام من منظور المسيحية، ويجهل أو على الأصح يتجاهل بخبث شديد الفرق الهائل بين الإسلام والمسيحية. فبينما المسيحية تعطي ما لقيصر لقيصر، وما لله لله، فالإسلام يتناول الحياة كلها بتشريع كامل لا ينفصل فيه دين عن دنيا (إلا في أذهان العباقرة أمثال عميد الأدب الراحل) ... وصدق الله مولانا في كتابه الكريم:{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[٨] .