للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"وإذا كان هذا واجبا بين نفسين لا يروم أحدهما من مباهاة صاحبه إلاّ ما يجري على الألسن من ذكره بالفضل فقط.. فكيف يجوز أن يظهر في صميم العرب، وفي مثل قريش ذوي الأنفس الأبيَّة، والهمم العليَّة، والأنفة والحميَّة، من يدَّعى النبوة، ويخبر أنه مبعوث من الله تعالى إلى الخلق كافة، وأنه بشير بالجنّة ونذير بالنار، وأنه قد نسخ به كل شريعة تقدمته، ودين دان به الناس شرقا وغربا، وأنه خاتم النبيين. وأنه لا نبي بعده.. إلى آخر ما صدع به صلى الله عليه وسلم"، ثم يقول:

"وحُجتي أن الله قد أنزل عليّ كتابا عربيا مبينا، تعرفون ألفاظه وتفهمون معانيه، إلا أنكم لا تقدرون على أن تأتوا بمثل، ولا بعشر سور منه، ولا بسورة واحدة. ولو جهدتم جهدكم، واجتمع معكم الجن والأنس، ثم لا تدعوهم نفوسهم إلى أن يعارضوه ويبينوا سَرفه في دعواه، مع إمكان ذلك، ومع أنهم لم يسمعوا إلا ما عندهم مثله أو قريب منه".

"هذا وقد بلغ بهم الغيظ من مقالته، ومن الذي ادّعاه حَدّا تركوا معه أحلامهم الراجحة، وخرجوا له عن طاعة عقولهم الفاضلة، حتى واجهوه بكل قبيح، ولقوه بكل أذى ومكروه، ووقفوا له بكل طريق، وكادوه وكل من تبعه بضروب المكايدة، وأرادوهم بأنواع الشر..".

"وهل سُمع قط بذي عقل ومُسكة استطاع أن يخرس خصما له فقد اشتط في دعواه بكلمة يجيبه بها، فترك ذلك إلى أمور يسفّه فيها، وينسب معها إلى ضيق الذرع والعجز، وإلى أنه مغلوب قد أعوزته الحيلة، وعزّ عليه المخْلَص؟."

"أم هل عُرف في مجرى العادات، وفي دواعي النفوس ومبنى الطبائع أن يدع الرجل ذو اللُّب حجته على خصمه، فلا يذكرها، ولا يفصح عنها، ولا يجلي عن وجهها، ولا يريه الغلط فيما قال، والكذب فيما ادعى، ولا يدعي أن ذلك عنده وأنه مستطيع له، بل يجعل أول جوابه له ومعارضته إياه التسرع إليه، والسفه عليه والإقدام على قطع رحمه، وعلى الإفراط في أذاه؟."