ومن هذه الأقوال أيضا – حديث عتبة بن ربيعة، وكان سيدا حليما _ حين أرسله قومه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم _ ليثنيه عن هدفه، ويعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضا منها، فيعدل عن رأيه، فاستمع الرسول إلى قوله، حتى إذا فرغ من كلامه، تلا عليه الرسول، {حم. . تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ ل ايَسْمَعُونَ}[١٩] فل ما سمعها عتبة أنصت له، وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليها، يستمع منه، حتى انتهى رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ إلى السجدة منها فسجد ثم قال له: قد سمعت ما سمعت فأنت وذاك، فقام عتبة إلى أصحابه لينصحهم أن يكفوا عن محاربة محمد صلى الله عليه وسلم [٢٠] .. ومنها حديث أبي ذر في سب ب إسلامه [٢١] .
ولكي يوضح الجرجاني مراده، ويوسّع دائرة بحثه، فيستطرد بالحديث عن ماذا على ألسنة الناس من وقوع المعجزات عند بعض الناس، دون بعضهم الآخر، وهو ما يقع في الحياة بين الحين والحين من ظهور العباقرة والنوابغ في فن القول من أمثال امرئ القيس وزهير والنابغة والأعشى وغيرهم، ممن أجمع عليهم القول بأنهم شعراء العرب. فهؤلاء الأعلام يكونون عند ظهورهم قمما شامخة بين أبناء عصرهم بل ربما كانوا كذلك بين أبناء العصور السابقة أو اللاحقة، فيأتون من الأعمال أو الأقوال ما يعجز عنهم أبناء جيلهم، أو أبناء أجيال كثيرة قبلهم أو بعدهم، ومع هذا فلم يكونوا من الأنبياء، ولم يدّعو هُمْ _ أو يدّعي لهم أحد أنهم من الأنبياء أصحاب المعجزات [٢٢] .
فما تأويل هذا عند من يؤمنون بالأنبياء، ويؤمنون بما حملوا من معجزات؟ وما الفرق بين ظهور النبي في عصره. واحتلاله بالمعجزة التي بين يديه قمة الحياة.. وبين العبقري أو النابغة حين يظهر فيحتل بعلمه أو عمله قمة أشبه بهذه القمة؟