هذا هو محور المناقشة في الفصل الذي خصصه الجرجاني لتولي الرد على هذه التساؤلات وتفنيدها. يقول في مطلعه [٢٣] :
"واعلم أن هاهنا بابا من التلبيس أنت تجده يدور في أنفس قوم من الأشقياء وتراهم يومئون إليه، ويهمسون به، وستهوون الغر الغبي بذكره، وهو قولهم: قد جرت العادة بأن يبقى في الزمان من يفوت أهله حتى يسلموا له، وحتى لا يطمع أحد في مداناته، وحتى ليقع الإجماع فيه أنه الفرد الذي لا ينازع، ثم يذكرون امرأ القيس والشعراء الذين قُدموا على من كان معهم في أعصارهم، وربما ذكر الجاحظ وكل مذكور بأنه كلن أفضل من كان في عصره.. ولهم في هذا الباب خبط وتخليط لا إلى غاية، وهي نفثة نفثها الشيطان فيهم، وإنما أَتُوا من سوء تدبيرهم لما يسمعون وتسرعهم إلى الاعتراض قبل تمام العلم بالدليل ...
وذلك أن الشرط في المزية الناقضة للعادة، أن يبلغ الأمر فيها إلى حيث يبهر ويقهر، حتى تنقطع الأطماع عن المعارضة، وتخرس الألسن عن دعوى المداناة، وحتى لا تحدِّث نفس صاحبها بأن يتصدى، ولا يجول في خلد أن الإتيان بمثله يمكن، وحتى يكون بأسهم منه، وإحساسهم بالعجز عنه في بعضه مثل ذلك في كله [٢٤] . .".
هذا الذي يقرره الجرجاني.. هو مقطع القول في هذا الأمر.. إذ ليس الذي يأتي به العبقري، أو النابغة من قول أو عمل، الشيء الذي يقطع على الناس سبيل النظر فيه، أو المساماة له، أو الغلبة عليه، فلم تشهد الحياة أبدا لإنسان أنه انقطع بعمله أو قوله عن منازعة الناس له، والدخول معه فيما قال أو عمل، فيقصرون عنه في جانب، ويعملون عليه من جانب آخر، فيما خيّل إلى الناس أنه انفرد به..
ويقيم الجرجاني مقارنة أدبية نقدية يجعل محورها امرأ القيس، الذي عرف بأنه أشعر أهل زمانه، ليصل عن طريق ذلك إلى تضحيد أقوال الظّانين وردّها فيقول: