"ليت شعري من هذا الذي سَلَّم لهم أنه كان في وقت من الأوقات من بلغ أمره في المزية وفي العلو على أهل زمانه هذا المبلغ، وانتهى إلى هذا الحد _ إن قيل امرؤ القيس فقد كان في وقته من يباريه، ويُمَاتنه، بل لا يتحاشى من أن يدعي الفضل عليه، فقد عرفنا حديث علقمة الفحل، وأنه لما قال امرؤ القيس وقد تناشدا أيٌّنا أشعر؟ قال: أنا: غير مكترث أو مبالٍ حتى قال امرؤ القيس: فقُل وأنعت فرسك وناقتك، وأقول وأنعت فرسي وناقتي، فقال علقمة: إني فاعل، والحكمُ بيني وبينك المرأة من ورائك، يعني أم جندب، امرأة امرؤ القيس، فقال امرؤ القيس:
خليلَيَّ مُرَّا بي على أمِّ جُنْدَبِ.
نُقَضِّ لُبَاناتِ الفُؤاَدِ المعذَّبِ.
وقال علقمة:
ذَهَبت من الهجراَنِ في كل مَذْهَبِ.
ولم يَكُ حَقًّا كلُّ هذا التجنُّبِ.
وتحاكما إلى المرأة ففضلت علقمة [٢٥] .
ويمضي الجرجاني، فيروي ما جرى بين امرؤ القيس وغيره من شعراء عصره من المساجلات والمباريات، التي احتفلت بها كتب النقد والأدب، ليصل في النهاية إلى ما يريد فيقول لقارئه:
"فاعلم أنهم إذا ذكروا في تعلقهم بالتوابع ومحاولتهم أن يمنعوا من الاستدلال مع تسليم عجز العرب عن معارضة القرآن، مَنْ تراخى زمانه عن زمان النبي صلى الله عليه وسلم، كالجاحظ وأشباهه كانوا في ذلك أجهل، وكان النقض عليهم أسهل، وذلك أن الشرط في نقض العادة أن يعم الأزمان كلها، وأن يظهر على مدّعي النبوة ما لم يستطعه مملوك قط..".