فالآيتان الكريمتان تخبران بأن الأهواء هي المتبعة، وأصحابها هم التابعون لها، وقوله أيضا عز من قائل:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاه} ، فالآية هنا لم تجعل الذنب متبوعا من الإنسان فقط كما في الآيتين السابقتين، وإنما زادت بأنه قد اتخذه إلها، فالمعروف بأن الإله هو المطاع، والعابد هو المطيع، فهل يكون في الأمر غرابة إذا عكسنا العنوان وقلنا:(العصيان والإنسان) ، بعد أن سمعنا قول العليم بما نخفي وما نعلن، وبما أكد أن الإنسان هو المنقاد لذنبه، بغض النظر عن الدافع لارتكاب الذنب شيطانا كان أو نفسا أمارة، وبغض النظر أيضا عن النسبة القليلة المطيعة في المجموعة البشرية، الذين غلب خيرُهم شرَّهم، ولم يسمحوا للنفس ولا للشيطان عليهم بمطلق السلطان، لأن الشيطان نفسه بادئ أمره في السماء قد أعلن ذله أمام هذه القلة العاقلة من الذرية الآدمية، حين قال لربه:{لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلاً} ، فقد أدرك أن هؤلاء المطيعين سيكونون مستعدين للمقاومة الدائمة لكل نوازع السوء، فيصبح حديثي عنهم تحصيل حاصل، ولأنهم قليل ما هم حيث أحبوا العمل وكرهوا القول، وأنفوا التحدث عنهم، فلم يعطونا من أنفسهم مادة لنكتب عنهم أو نخطب، أما عكسهم فهم الأكثر والأشهر، فقد قدموا المدد العريض من شرهم ليقول عنهم من شاء بما يشاء، إذا لما جعلت الإنسان والعصيان شيئين لا يفترقان، وعبرت عن الفريق الذي فسق عن أمر ربه لكثرته كأنه الكل، ما غلوت في ذلك، خاصة بعدما سمعنا عن اللعين أبي الشيطان {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} أي لأستأصلن الخير من كل ذرية آدم ولم يستثن إلا القليل الذي ذكرته الآية، واستثناؤه لهذا القليل هو الدليل على عجزه عن بلوغ قصده، وإلا لأحتنك كل الذرية ولم يستثن أحدا، فقد قيل إنه سئل عن أي شيء أحب إليه فقال: "لو عرض عليّ ملك الدنيا وأن أضل واحدا من ذرية آدم