للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لاخترت الثانية"، إذا فقد أطيع ممن أطاعوه بسهولة منهم ورضا، وهو بنفسه سيقول هذا يومها {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} وعليه فلا يجوز للعصاة قولهم غلبنا الشيطان، والصحيح أن يقولوا دعانا فاستجبنا، حيث لم نستعمل مجرد العقل لندرك به النجاة من الهلكة، وحيث تقرر في الآخرة الحقيقة التي كان يكفي فيها تحكيم العقل قبل النقل، عندما يقال لهم عن حصاد الشيطان معهم: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} ؟ فهو هنا سبحانه اكتفى بذكر العقل الذي هو أساس فهم الأمر ضارّا كان أو نافعا، وما الرسل مع العقل إلا مبشرين لمن عقل، ومنذرين لمن جهل، والعجب في الإنسان أنه ما نقم وكان لربه خصيما، إلا وهو موقن من أنه أكثر المخلوقات استئثارا بما في دنيا الله من نعم، وغمره بما في سمائه وأرضه من خير {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} ولأني مصر على أن الإنسان أذل نفسه للمعصية وجعلها سيدته المتحكمة في أمره، ولم يكرم آدميته المكرّمة من الله، ولا ما أشهده على نفسه يوم أن أخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم، أقدم دليلا من قصة أمر رسولنا صلى الله عليه وسلم أن يقصها علينا، {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} ، ليعْلِّمنا بها سبحانه أن أول عمل عمله الإنسان على الأرض بعد الإشهاد والتكريم، هو مقابلة الإحسان بإغضاب المحسن تعالى، وبأفحش ما يستجلب به سخطه، فكانت أول معصية وقف أمامها الإنسان أحقر ما يكون، لمَّا فتك بإنسان مثله، وجعل بداية ما تستقبل الأرض هو الدم الأحمر القاني يختلط بثراها، يتفجر من جسد المظلوم هابيل، بيد قابيل أخيه ابن أمه وأبيه، من هنا، كان الشر في الدنيا هو السائد، والذَنب للإنسان هو القائد، واستحق أن يكون ظلوما جهولا، لماّ