للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لم يكن مع عهد الله من الأوفياء، ولا على أمانته من الأمناء، والقصة هي: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ. فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ، فالأخ القتيل ذكَّر أخاه القاتل بربه وخوفه منه، لما ذكر له أنه لن يرد سوء العمل بمثله لأنه يخاف الله {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَك} السبب {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} لكن لما كان جانب الشر في الإنسان أقوى وأسبق، وأنه عندما يسيطر عليه شره، يصبح الأسير المطيع لخبث نفسه، وعلى هذه الصورة قدمت إلينا الآية قابيل القاتل بأنه وقد ذكَّره أخوه بربه، ورهبه من ناره التي أعدها لكل أثيم، عندما قال له: {فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} . أقول بعد هذا كله، لم تتحرك شعرة في قابيل نحو أخيه من حنو أو رحمة، ولم يحاول التخلص من طاعة نفسه المتوحشة، وإنما انقاد لها ذليلا بأسرع ما تكون الطاعة {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ} ، وقتل من؟ تقول الآية {قَتْلَ أَخِيهِ} وبهذا قضى عليه بالخسران {فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِين} ، ووضع قابيل بإثمه بداية الخُسْرِ على الأرض لما أصبح أول خاسر، فكانت الكثرة والهيمنة فيها من نوع أول ما عمل على ظهورها، وهو الكفر بالله والاقتران بمعصيته، وهكذا انطلق