للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإنسان في أحقاب الدنيا متقلبا في درْك المنكر ينوعه ويفرعه، لا يرده حياء ولا يخجله فحش، حتى أتي نوعا من الذنب بعد القتل تكاد السماء منه تنهال وتندك له الجبال، ما فعلها كائن من خلق الله ولا عالَما من عالمَِينه، لقد رأى الكثير منا أحط الحيوانات تتناكح، كالقرد والخنزير والكلب، ورأينا كيف تترفع هذه الحيوانات وتتعفف من أن يعتلي الذكر ذكرا مثله، ويرفض أن يقذر نفسه بمفرز الغائط، يحدث هذا من أحط الكائنات التي يسميها العلماء حيوانات غير محترمة، ولكنها أثبتت أنها محترمة عن الإنسان لما تعالت عن هذه الفعلة الوسخة، وراح هو يفعلها ليكون في ذلك أحط من الكلب والقرد والخنزير، وليكون له فضيحة البدء وعار السبق بعمل لم يكن له من قبل وجود في دنيا الله، عندما اعتلى الإنسان الإنسان تاركا أنثاه التي كمَّل الله بها إنسانيته وذرأ بها نوعه، وذلك بما حكى القرآن على لسان نبي كريم {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ، إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} ، فالآية هنا لم تقل: أتأتون الكبيرة، لأنها قد تدخل مع أنواع الكبائر على عمومها، وإنما وصفت بأغلظ وصف وضع لكبائر معينة لا يؤجل أمرها إلى لقاء الآخرة، كذلك أثبتت الآية دليلا إلى ما تقدم من أدلة على أن الإنسان أسلم قياده للمعصية، حتى جعلها تسبق وهو يلحق، لما قال لوط عليه السلام لقومه المنصوحين: {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} ، والتفسير هنا واضح من أن كلمة {أَحَدٍ} مقصود بها كل كائن حي وليست مقصورة على جنس الإنسان، أي لم يسبقكم إليها كائن ما والدليل قوله: {مِنَ الْعَالَمِينَ} ، فلو كان القصد عالم الإنسان فقط ما جمعت الكلمة على الإطلاق، وحتى كلمة {مَا سَبَقَكُمْ} ، ليس الغرض منها _ والله أعلم _