للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورُدّ بما ذكرت من أن من المدركات الحسية والعقلية ما تفيد الظن فقط فيصير بالإجماع قطعيا، وأطلق بعض العلماء كابن الحاجب [١٠] والجلال المحلى [١١] الأمر ولم يقيدوه بالديني، وعليه يكون الإجماع حجة في كل الأمور دينية كانت أو عادية أو عقلية أو لغوية، وقالوا أن الأدلة الدالة على حجية الإجماع لم تفرق بين الإجماع على أمر ديني أو دنيوي، فإذا ما اتفقوا على أي أمر من أمور التجارة أو الزراعة أو الحروب وغير ذلك، وجب أن يكون حجة.

ونوقش هذا الرأي بما حاصله:

١- أن تحقق الإجماع في غير الأمور الدينية وعدم تحققه سواء لأنه غير ملزم للمسلم فلا يأثم بمخالفته.

٢- أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكون حجة في الأمور الدنيوية لقوله عليه الصلاة والسلام في قصة تلقيح النخل: "أنتم أعلم بأمور دنياكم" [١٢] وكان عليه السلام يرى الرأي في الحروب فيراجعه فيه أصحابه كما في غزوة بدر فيترك رأيه ويعمل برأيهم، فإذا كان قول الرسول في هذه الأمور ليس بحجة، فالإجماع فيها ليس بحجة من باب أولى لأن الإجماع في مرتبة أدنى من قول الرسول صلى الله عليه وسلم [١٣] .

وبهذا يتضح أرجحية الرأي الذي خص الإجماع بالأمور الدينية سواء أكانت شرعية أم غير شرعية، وعليه أكثر العلماء.

قال الغزالي: "أما تفهيم لفظ الإجماع فإنما نعني به اتفاق أمة محمد عليه السلام خاصة على أمر من الأمور الدينية" [١٤] .

وقال ابن قدامة: "ومعنى الإجماع في الشرع اتفاق علماء العصر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أمر من أمور الدين" [١٥] .

٢- سند الإجماع:

هل الإجماع مصدر مستقل بذاته في إثبات الأحكام الشرعية في مقابل المصادر الثلاثة الأخرى، الكتاب والسنة والقياس؟ أم أنه لا ينعقد ولا يصير حجة إلا بتوسط أحد هذه المصادر؟.

ذهب بعض الأعلام إلى الأول وقالوا باستقلالية الإجماع وعدم حاجته إلى توسط دليل آخر يستند إليه [١٦] .