نراه يعرض لصور قرآنية مما يدخل عند المتأخرين في المجاز المرسل والاستعارة، ويتحدث عن المقلوب؛ وهو أن يوصف الشيء بضد صفته، كتسميتهم اللديغ سليما، والفلاة مفازة، كما يتكلم عن التقديم والتأخير في الآية الكريمة {فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ} أي: بشرناها فضحكت، كما تحدّث عن الحذف والاختصار والتعريض والكناية ومخالفة ظاهر اللفظ معناه، وعن الاستفهام يأتي للتقرير أو التعجب أو التوبيخ، وعن الأمر يكون للتهديد أو التأديب أو الإباحة، ومنه عام يراد به خاص وجمع يراد به واحد، وواحد يراد به جمع، وقد يعود الضمير على صنفين وهو لأحد هما، أو على واحد من اثنين وهو لهما جميعا، وهو يفيض في ذكر صور كثيرة من آي الذكر الحكيم عارضا لمعناها، شارحا للمراد منها، موضّحا ما فيها من بيان على الحدّ المعروف عند العرب الذين نزل القرآن بلغتهم.
والواقع أن ابن قتيبة كان متأثّرا كل التأثر بأبي عبيدة معمر بن المثنى؛ حتى لنستطيع أن نقول: إنه لم يزد عليه شيئا ذا بال إلا ما عرف من دقة التبويب، وإلا ما توسع فيه عند الحديث عن بعض الكنايات.
وابن قتيبة يسوّي بين اللفظ والمعنى في البلاغة ويجعل المزية لهما جميعا، وكأنه بذلك يردّ على الجاحظ مذهبه في تقديم اللفظ على المعنى، وجعل المزيّة له حيث يقول: المعاني مطروحة في الطّريق يعرفها العربيّ والعجميّ، ولكن ابن قتيبة يجعل المعنى شريكا للّفظ في الحسن، ويقسم الكلام على هذا الأساس إلى ما حسن لفظه ومعناه، وما حسن لفظه دون معناه، وما حسن معناه دون لفظه، وما ساء وقبح في لفظه ومعناه جميعا، وإن كان لم يقف عند القسم الأخير لأنه لا يدخل فعلا في الكلام البليغ.
ومن هنا نتبين مذهب ابن قتيبة في الحكم على الكلام وسبب الحسن فيه، وأنه لكي يكون الكلام بليغا لا بد أن يجتمع فيه حسن اللفظ وحسن المعنى جميعا.